مقالات متنوعة

عبدالله إبراهيم علي : لنرتقي بأنفسنا ولنعامل الناس بأخلاقنا


قد نأخذ انطباعاً خاطئاً عن شخصٍ ما، فيثبت ذات الانطباع في مخيلتنا بشكل أبدي، حيث الانطباع الأول هو الانطباع الأخير لدى البعض دون التحقق، والعكس صحيح، فقد نأخذ صورة إيجابية عن شخص آخر وهو غير ذلك، وقد تلتقي بإنسان لأول مرة في حياتك وبعد دقائق تشعر كأنك تعرفه العمر كله، وقد تعيش طول حياتك مع إنسان في بيت واحد ثم تكتشف بعد سنوات طويلة أنك لم تعرفه أبداً، فالإنسان الغريب ليس هو الإنسان الذي لم تقابله من قبل، وإنما هو الإنسان الذي قابلته ولم تعرف عنه شيئاً، وتحدثت معه ولم تفهمه، وعشت معه فازددت به جهلاً، إذن لن تراني إلا بالصورة التي وضعتني بها في مخيلتك، فإن كنت في نظرك سيئاً، فسأكون سيئاً مهما فعلت من أفعال جميلة، وللأسف السيء منها يظل عالقاً بالذاكرة برغم براءة التصرف، فلا تخلط بين ما تريد أنت أن تراه، وما أفعله، ولا تنس أن استمرار العلاقات مبني على حسن الظن، فإن أخطأت في حقك يوماً فالتمس لي عذراً، وإن لم تجد، فلعل لي عذراً لا تعرفه، فكل شخص له ظروف، وإن غاب عنك، ليس بالمعنى أنه لا يريدك، ربما ما زال يتذكرك ويجدك بين حروفه دائماً، لذا كن عفوياً، فليس كل من نحبه سيحبنا بقدر ما أحببناه، ولنترك بتفكيرنا أثراً طيباً لترتاح ذاتنا، فقد تعكس المرآة وجوه البشر ولكنها لا تعكس ما بداخل البشر من تصرفات وسلوكيات قد تختلف تماماً عن ما نراه على الوجوه.
أحياناً ننتقد الآخرين ونتكلم عنهم، ولكننا لا نحبهم أن ينتقدونا، علماً بأننا مقتنعون تماماً بأن ما يُقال عنا من نقد هو صحيح، إلا أننا لا نحب أن نسمعه من شخص آخر، ولا نريد أحدا أن ينتقدنا، فلكل إنسان عيوب، وليس المشكلة في النقد في حد ذاته، ولكن المشكلة في تقبلنا للنقد نفسه، فالكمال لله وحده، ولا غضاضة من تقبل الآخرين حين ينتقدونا ويوجهونا ويرشدونا إلى الصواب، حينها سننتفع منهم بالجلوس معهم والاستماع إليهم، فقد ننتقد القول ولكن علينا باحترام القائل، بمعنى آخر، لنكره الخطأ ولكننا لا نكره المخطئ، فالعقول العظيمة تناقش الأفكار، ولأن الكلمة الطيبة جوهرٌ ثمينٌ تكسبنا سحر العقول بحسن الأخلاق، فعلينا أن نحلي ألسنتنا بالكلام الطيب حتى نؤثر في الآخرين، إذن لنطهر قلوبنا لنشر ما هو طيب في نفوس من نقابله، وفي كثير من الأحيان يكون من يقدم لنا نصيحة أو وجهة نظر هو على حق، ولكننا ننتقده ونستنكر ما يقوله برغم أنه على صواب، والسبب هو أنَ أخطاءنا هي التي تُرِينا أن أعمال الآخرين خطأ، فلماذا لا نُصلح عيوبنا أولاً قبل أن نتحدث عن الآخرين؟. لنرتقي بأنفسنا ولنحتل مراتباً عليا في قلوب من حولنا، ولنعامل الناس بأخلاقنا لا بأخلاقهم، ولتكن خلوقاً تنل ذكراً جميلاً.
أخيراً لنعامل الناس معاملة حسنة، فإن لم ننفعهم لا نضرهم، وإن لم نفرحهم لا نحزنهم، وإن لم نمدحهم لا نذمهم، ولنبدأ نحن الكبار بأنفسنا بأن نغرس القيم الجميلة في صغارنا منذ نعومة أظفارهم، فيشبوا مثلنا ويتشبهوا بنا ويقلدونا في كثير من الأمور، فالمفهوم التربوي يشير إلى أنه عندما يمشي الطفل مع أبيه يخاف عليه والده، فيقول له أعمل حساب خُطاك، فيقول الطفل الصغير لأبيه: أعمل أنت حساب خُطاك، فأنا أخطو خطواتي وراك.