تحقيقات وتقارير

تعود إلى الواجهة من جديد.. اللجان الشعبية.. مساعٍ لإحياء برلمان الأحياء


انزوت اللجان الشعبية إلى اقصى ركن الذاكرة، واقتصر ذكرها على مناسبتين، الأولى حين الحاجة إلى إكمال معاملة مدنية تحتاج إلى “شهادة سكن” أو حين المناسبات ذات الطابع الجنائزي حيث يسارع الأهالي إلى نصب صيوان عزاء يقع أمره على قيادات اللجان الشعبية.

باحثاً عن أقل وأهم مستويات حكمه، تحرك وزير الحكم المحلي بولاية الخرطوم، حسن إسماعيل، لإحياء التجربة التي توقفت في محطة العام 2012م، وذلك بإجراء مراجعات عميقة تنهي الصورة الذهنية القاتمة التي ارتبطت بأعمال اللجان.

لجان التمكين
من أولى أعمال حكومة الإنقاذ بعد حلها الأحزاب السياسية في العام 1989م هو إقامة اللجان الشعبية وهو أمر يحسبه كثر بأنه مسعى ممنهج لتمكين الإنقاذ وتثبيت سوقها السياسية في الأرض لا سيما بعد تصريحات الرئيس عمر البشير، لصحيفة الإنقاذ الوطني بتاريخ 21/10/1989م بأن حل الأحزاب قانوناً لا يعني حلها واقعا، لهذا فإن اللجان الشعبية قصد منها صهر الأحزاب وحلها جذريا”.

ودشنت اللجان الشعبية عهدها بقادة معينين يتراوح ولاؤهم بين مؤيدين للنظام أو متعاطفين معه، وظلت الدعاوى المستمرة بأن التجربة ترمي إلى شيوع الحكم المحلي وتنزيلها إلى المستوى القاعدي، ومن ثم بموجب هذا الالتصاق المفترض مع المواطن باتت اللجان الشعبية مسؤولة عن الرقابة على الخدمات بالعاصمة القومية، فضلاً عن صلاحيات أمنية ودعائية وتعبوية حتى أضحت على وصف مراقبين أشبه باللجان الحكومية منها باللجان الشعبية.

واستمر هذا الحال على ذياك المنوال إلى حين ظهور قانون الحكم المحلي في العام 2007م حيث اقر القانون اختيار قادة اللجان عبر آلية الانتخاب، واستمر ذلك الأمر حتى صدر قرار بحلها في العام 2012 من قبل حكومة والي الخرطوم السابق د. عبد الرحمن الخضر، ولكن الشواهد ما تزال تؤشر إلى أن اللجان استمرت في عملها بعد مغادرة الخضر، بذات الوجوه الجديدة.

وفي اقرار بفكرة اللجان على نمط التعيين، خرج قبيل أيام وزير الحكم المحلي بولاية الخرطوم، حسن إسماعيل ليقول في تصريحات مقتضبة إنهم سيقومون بتعيين اللجان في فترة الحكومة القومية المرتقبة كحل مؤقت.

اللجان (السجمانة)
كان رئيس المجلس التشريعي لولاية الخرطوم السابق. محمد الشيخ مدني قد وصف اللجان الشعبية في ولاية الخرطوم بـ(السجمانة) وأشار إلى أن نسبة كبيرة من اللجان الشعبية بمحليات الولاية تحتاج إلى مراجعة.

وغير بعيد من درب مدني، سار وزير الحكم المحلي حسن إسماعيل بقوله إن كشوفات عضوية اللجان الشعبية تشتمل على موتى وآخرين سقطت أسماؤهم، وموضحاً أن بعض اللجان الشعبية تحتوي على ثلاثة أشخاص فقط، مشدداً على حاجة اللجان الشعبية والمحليات إلى تقوية تشريعية.

ويمكن انتزاع شبهة فساد بحق اللجان صادرة عن الوزير في قوله بتضمين موتى في كشوفات اللجان الشعبية وهو مدخل لاحتكار وإدارة السلطات مع تعويق سير العمل.

حقوق الأهالي
بما أن اللجان الشعبية تمثل أحد مستويات الحكم، فإنها تمثل حقاً من حقوق المواطنين المكفولة بالقانون، كما أن مهام اللجان المتمثلة في إتاحة الخدمات للأهالي تستدعي من الأخيرين اختيار من يرونه مناسباً لخدمتهم ويسهم في إدارة شؤون الحي تأسيساً على قانون الحكم المحلي لولاية الخرطوم لسنة 2007م.

كذلك هناك اتفاق وإن لم يكن مكتوباً بضرورة اختيار عضوية اللجان بمنأى عن المحاصصات والتعيينات التي تحمل في طياتها صبغة حزبية.

ينبه المعتمد السابق لمحلية أم درمان د. محمد محيي الدين الجميعابي، إلى أنه كان من الأوفق تأجيل قضية اللجان الشعبية لما بعد مخرجات الحوار الوطني، وتكوين لجان شعبية خدمية قومية تخلو من الروح الحزبية مشدداً في حديثه مع “الصيحة” على ضرورة إنهاء الصراع الحزبي داخل اللجان في المرحلة المقبلة التي يصفها بأنها مرحلة للتوافق وذلك لأجل تأمين الخدمات المطلوبة (نظافة، إصلاح للبيئة، توفير شهادات السكن، ومعالجة الأوضاع الاجتماعية لمستحقي الزكاة مع الديوان).

نبذة مختصرة
تنتشر في أحياء ولايات الخرطوم حوالي 1640 لجنة شعبية، وبدأت تجربة اللجان الشعبية مع بداية عهد “الإنقاذ” عبر التعيين، لكن في العام 2005 أصبح الاختيار لها يتم عبر الانتخاب المباشر عبر الجمعيات العمومية الممثلة في سكان الأحياء. ومنذ ذلك الحين إلى أن صدر قرار بحلها في العام 2012 لم تشكل انتخابات جديدة وظل أعضاء اللجان الشعبية في مواقعهم يمارسون أعمالهم إلى أن جاء وزير الحكم المحلي الجديد، بالجديد.

الطريقة المثلى
هل يمكن الاستغناء عن اللجان الشعبية بعد مخرجات الحوار خاصة وأنها قامت كبديل للأحزاب عند بداية الإنقاذ؟ وهل لهذه اللجان برنامج معين وخطة لتقييم عملها؟

يرد الجميعابي على ذلك بالقول إنه لا بد من أن تكون اللجان الشعبية في خدمة المواطن، هذا وإن كان يعتقد أن اللجان فشلت في ذلك فشلا ذريعا خلال المرحلة السابقة حيث كانت أعمالها بلا رؤى ودون أهداف ومن غير خطط.

وينوه الجميعابي إلى ضرورة توافر الاحتياجات التي من شأنها إنجاح برامج اللجان الشعبية ويعزز من أدوارها المهمة في المجتمع. وقال: (لا مناص للجان من خدمة المواطنين ولكن بالطريقة الصحيحة).

فما هي الطريقة الصحيحة التي ستنتهجها الحكومة في الأيام القادمة وهل يعين المؤتمر الوطني اللجان الشعبية بطريقته الحزبية أم أنه سيقسمها دول بين شركائه في الحكومة.

عطاف عبد الوهاب
صحيفة الصيحة