تحقيقات وتقارير

شيء ما يحدث داخل قاعة الصداقة.. جدلية الأمن والحريات تشيع مسحة من التباين بين الوطني والشعبي.. فمن وضع الجرس على رقبة القط؟ معركة الأوراق المحذوفة


لا يزال غبار معركة الأوراق المحذوفة في لجنة الحريات عالقاً، أشواط من التهدئة بذلها الوسطاء لكنها لم تعد المياه إلى مجاريها، الفتق كاد يتسع على الراتق، في وقت سلمت فيه معظم لجان الحوار الوطني توصياتها، بتوافق تام، لكن لجنة الحريات -على ما يبدو- ربما تكون بمثابة القشة التي ستقصم ظهر البعير، ما لم يتدخل رجال الإطفاء المنوط بهم إخماد النيران، مجدداً يعود الدكتور عمار السجاد إلى منصة الأضواء بمثابة حارس للمخرجات التي بشر بها، بينما يدفع الوطني بياسر يوسف في المباراة، كواحد من الكروت الرابحة، لتغليب كفة المؤتمر الوطني، أو على الأقل حتى لا يؤتى الحزب الحاكم من حيث لا يحتسب، شيء ما يحدث داخل قاعة الصداقة، وبالتحديد في لجنة الحريات والحقوق، فما الذي يجري خلف الكواليس؟
على نحو مفاجئ، بدا عمار السجاد رئيس تيار إسناد الحوار الوطني، والرابط ما بين جمهرة الإسلاميين المؤيدين للتسوية السلمية، بدا غير مرغوب فيه، رئيس لجنة الحقوق والحريات العامة عبيد حاج علي وصفه بأنه خميرة عكننة، الوطني تضجر منه دونما مرة، لكن عمار ظل متخندقاً في موقفه، مؤمنا بأن الحوار يتعرض لمؤامرة، ويهبط كثيراً عن السقوفات المأمولة، سيما وأن الصفحات التي اختفت بعيد أن غادر إلى القاهرة لظروف العمل، وتغيب الدكتور دقش لظروف صحية، تتحدث عن قضايا مهمة، وأكثر أهمية بالنسبة للدكتور الترابي الموسوم بإمام الحريات التي فاصل عليها، تعديل وثيقة الحقوق في دستور “2005” وتعديل القوانين المقيدة للحريات، بجانب آليات حماية ومراقبة الحقوق، وعددها (98) توصية، بينما يردد ممثلو الوطني أن الـ”18″ ورقة التي تم حذفها، توصيات غير شرعية ولم تمر على اللجنة، مما يرجح أن الخلاف ينحصر في مفهوم الحريات، ما بين الإفراط والتفريط، ودور جهاز الأمن في المرحلة المقبلة، أكثر من نقاط يتعذر بلوغها لفارق التوقيت الزمني في القاعة.

منذ أيام ثلاثة بدأ النقاش يهدأ قليلاً، كما أن التصعيد من قبل السجاد لم يصاحبه تصعيد من المؤتمر الشعبي الذي التزم الصمت، وربما لا يريد أن يفسد مجهود ستة أشهر، حتى أن غياب كمال عمر عن تلك الجلسة التي شهدت رفع التوصيات فهم بأنه رفض ناعم، لكي لا يضطر إلى الاحتكاك ببقية أعضاء اللجنة، وتتصاعد وتيرة الخلاف، وتنسحب غضبة كمال عمر بالضرورة على أجواء الحوار عموماً، بينما يستوي الأمر برمته كمياه عكرة، يحوم حولها هواة الصيد، الرافضون للحوار الوطني والمنسحبون من تجمعاته، وهنا تصبح الأزمة أكبر من جدلية الحريات أولاً أم الأمن، بجانب أن توافق قوانين الأمن مع الدستور بحسب وجهة نظر المؤتمر الوطني، حسمتها توصية تشير صراحة إلى مراجعة كل القوانين المتعلقة بالحريات لتتناغم مع الدستور، وهى توصية مضمنة في الوثيقة، وينظر لها خصومهم بأنها حيلة للهروب من استحقاقات الحوار، وفي ذلك الخضم هنالك من وضع الجرس على رقبة القط، وبدأ فاصل من الصراخ والاتهامات، يوحي بتمرير أحدهما لما يريده في الظل، وشعر كلا الطرفين بأن الوقيعة متبادلة، اتهام بالتزوير من قبل الوطني، واستغلال للغياب من قبل الشعبي.

شيئاً فشيئاً يتضح أن ثمة حلقة مفقودة، هي التي أضرمت نيران الخلاف المكتوم، ألسنة اللهب المتصاعدة تضيء ما ظل معتماً، وتكاد تكون لجان الصياغة هي المعنية بالخيط الأول، ما حدث أن لجنة الصياغة قسمت التوصيات إلى محورين، محور خاص بوثيقة الحقوق والقوانين المقيدة للحريات، ومحور يتعلق بالتوصيات العامة، محور التوصيات العامة عرض على اللجنة الأم وتم تعديله إلى “91” توصية عوضاً عن “98” بينما لم تعرض بقية التوصيات على اللجنة الأم، السجاد يصر على أن أنها عرضت وأجيزت، واختفت فيما بعد، المؤكد أن كلا الطرفين استغلا غياب بعضهما بالتتابع، ومررا التوصيات حسب وجهة نظرهما.

ما حدث هو أن المؤتمر الوطني لم يشهد جلسة إجازة الصفحات الثماني عشرة، مما مكن الشعبي من تمريرها دون كوابح، وفي منعطف لجنة الصياغة جاءت خيول الوطني واعترضت عليها، وطالبت بالعودة إلى اللجنة الأم، بعد ذلك انعقد اجتماع اللجنة الأم بغياب المؤتمر الشعبي ولم تعرض عليه الصفحات آنفة الذكر، وعرضت عليه التوصيات العامة، وتمت إجازتها أيضاً، مجدداً انعقد اجتماع اللجنة الرئيسة بحضور الطرفين وأجاز التوصيات الأخيرة التي بصم عليها الوطني، الملاحظة التي يصعب إغفالها أن ممثل الشعبي قبل بتوصيات اللجنة الرئيسة ووافق على إعادة عرض التوصيات العامة، المخفضة إلى “98” توصية، لكنه لم يطالب بإعادة عرض الصفحات المحذوفة حسب وجهة نظره، فقط اكتفى بترديد معزوفة التزوير، وهنا يبرز السؤال: هل يتسبب ذلك الشرخ في إفساد حفل الحوار، وينتقل إلى مناطق أخرى ملتهبة، ومتعلقة بمقترح الحكومة الانتقالية، التي تمت السيطرة عليها في لجنة الحكم، أم تؤول النقاط المختلف عليها برمتها إلى الجمعية العمومية صاحبة الكلمة الفصل حسب خارطة الطريق؟

عزمي عبد الرازق
صحيفة اليوم التالي


تعليق واحد