الطيب مصطفى

استغاثة التجار الشماليين في الجنوب


في الوقت الذي يفتح فيه السودان حدوده لأبناء دولة الجنوب ليدخلوا إليه زرافات ووحداناً بالمئات بل بالألوف كل يوم، يعاني السودانيون الذين اضطرتهم ظروف العيش إلى البقاء في الجنوب بعد الانفصال من التضييق والحصار والموت في كثير من مدن وقرى الجنوب جراء الحرب التي تفتك بتلك الدولة المنكوبة التي ما عرفت استقراراً أو أماناً منذ أن اختار شعبها الانتحار من خلال إنشاء دولته المستقلة.
أقول هذا بين يدي الاستغاثة التي أطلقها مئات التجار السودانيين المقيمين في مدينة البيبور بجنوب السودان والذين لجؤوا إلى مقر الأمم المتحدة في تلك المدينة فراراً من الحرب التي تدور رحاها بين قوات الجيش الشعبي التابع لحكومة دولة الجنوب ومليشيات الكوبرا المتمردة والتي تسببت في احتراق سوق البيبور بالكامل.
التاجر أحمد يعقوب علي قال لراديو تمازج إن جميع ممتلكات وبضائع ومتاجر التجار السودانيين تم نهبها ولم يبق لهم إلا الملابس التي على أجسادهم، مضيفاً أن عددهم يتجاوز الـ (300) وأن كل الطرق مغلقة ويطلبون إجلاءهم من المدينة حتى لا يفقدون حياتهم.
ما حدث في البيبور أنموذج مصغر لما يحدث في تلك الدولة التي توشك أن تلفظ أنفاسها الأخيرة جراء حملات الإبادة الجماعية التي يشنها الجيش الشعبي الذي تسيطر عليه قبيلة الدينكا على بقية القبائل في كل مدن وقرى الجنوب.
أخبار بحر الغزال هذه الأيام تحكي عن مجازر تتعرض لها قبائل الفراتيت الذين يخضعون لعمليات تطهير عرقي وإبادة جماعية منظمة لقراهم
واعتقالات وطرد، الأمر الذي جعل الآلاف يفرّون طلباً للنجاة تاركين قراهم ومساكنهم لقبيلة الدينكا.
في جوبا العاصمة بلغ التوتر بين الدينكا والنوير درجة قيام نائب مدير إعلام الجيش الشعبي وقائد إحدى المليشيات قاي يواج ومن تلفزيون الدولة الرسمي بجوبا بتهديد قبيلة النوير بمجزرة أخرى حال عودة رياك مشار إلى جوبا شبيهة بتلك التي حدثت لتلك القبيلة في منتصف ديسمبر 2013 غداة نشوب الخلاف العنيف بين سلفاكير ومشار زعيمي القبيلتين الكبريين الدينكا والنوير .
معلوم أن الصراع الدامي بين القبيلتين بل بين عدد من القبائل الأخرى والذي خلّف الملايين من القتلى والنازحين الفارين من جحيم الحرب ظل مشتعلاً منذ ذلك التاريخ، وقد أدى توسط الاتحاد الأفريقي إلى توقيع اتفاق بين سلفاكير ومشار يعود بموجبه مشار إلى موقعه السابق نائباً أول للرئيس وقام سلفاكير بالفعل بإصدار قرار بتولي مشار ذلك المنصب ولكن.
مشار اشترط تنفيذ بقية بنود اتفاق السلام الذي ينص على نزع السلاح المنتشر في أيدي الدينكا في مدينة جوبا ونشر ما يقرب من ألفي جندي من قوات مشار قبل أن يعود إلى جوبا ويتولى مهام منصبه وهو ما لم يحدث حتى الآن، بل أن موكب وفد المقدمة الذي ابتعثه مشار بقيادة تعبان دينق المعروف بشراسته تعرض قبل يومين إلى حادث سير تشير كل التحليلات إلى أنها صيحة تحذير حتى لا يعود مشار إلى جوبا.
احتقان وتوتر كبير يدل على أن الجنوب يربض على فوهة بركان، فما حدث قبل ثلاث سنوات سيتكرر لا محالة إذا عاد مشار سيما وأن النفوس تمتلئ بالسخائم ونداءات الثار .
التاريخ يعيد نفسه فعند توقيع اتفاقية أديس أبابا عام 1972 بين الرئيس نميري وقائد حركة (أنيانيا تو) المتمردة جوزيف لاقو والتي يفترض أنها أنهت الحرب ووحّدت الجنوب في إقليم واحد حدث ذات ما يحدث اليوم، فقد هيمن الدينكا على الجنوب الأمر الذي أدى إلى تعديل الاتفاقية بطلب من لاقو مما أغضب الدينكا بمن فيهم قرنق وسلفاكير .
إنني لأطلب من وزير الخارجية بروف غندور ومن سفارة السودان بجوبا أن يستجيبا لاستغاثة التجار السودانيين بالبيبور وأن تقوم السفارة بحصر السودانيين في كل مدن وقرى الجنوب مع متابعة أوضاعهم أولا بأول من خلال ترتيب وسائل التواصل مع مجموعاتهم في مختلف المناطق.
بقي لي أن أطلب إلى البروف غندور أن يستمع إلى شكوى التجار الشماليين الذين فقدوا ممتلكاتهم ومزارعهم ودورهم، فقد جلست مراراً مع ممثليهم وخاصة الأخ صديق كوراك الذي يحتفظ بملفات ضخمة بكل ما فقده أولئك الذين فقدوا حصاد عشرات السنين سيما وأن التحسن الذي طرأ مؤخراً في علاقة الدولتين بتيح فرصة لمناقشة هذا الملف الشائك مع حكومة الجنوب.