منوعات

الرقص الشرقي.. من “طقس ديني” إلى “متعة محرمة”


تؤكد الرسومات والنقوش الموجودة على جدران معابد القدماء المصريين، أن الرقص قبل الميلاد كان طقساً دينيًا، الهدف منه التقرب إلى الآلهة الذين يعتبرون رمزاً للقوة والثروة، وبمرور الأيام والسنوات تطور الرقص، واتخذ أشكالاً ومسميات كثيرة، مثل “الرقص الجنائزي، رقص الغوزاي، ورقص النوبة”، إلا أنه فقد قيمته كطقس ديني، وأصبح عنواناً للمتعة الحرام، ومع تطور فكرة الرقص تغير أيضاً الزي الذي ترتديه الراقصات، واعتمد على الإثارة.

وبدأت السينما المصرية، تستعين بالراقصات في الخمسينات، بشكل أساسي، في محاولة لإضافة إثارة للمشاهد، وجذب الانتباه، ومن يتأمل تاريخ نجمات الرقص الشرقي في السينما، يكتشف أنّ البداية كانت من ملاهي ليلية في الهرم وأماكن أخرى، وهناك راقصات احترفن الرقص والتمثيل مثل تحية كاريوكا وسامية جمال.

الرقص في السينما

في العام 2000، قدم المخرج سمير سيف فيلم “الراقصة والسياسي”، قصة إحسان عبدالقدوس، وبطولة نبيلة عبيد وصلاح قابيل، ويتناول قصة راقصة، يتبرأ منها السياسيون في العلن، لكنهم يسعون إليها ويطلبون ودها ورضاها في الباطن.

وفي مشهد عبقري بالفيلم، يدور الحوار بين نبيلة عبيد وسيدة من الجمهور، وتقول عبيد لها: “الناس بتتكلم علينا وبتشوفنا وحشين، لكن من جواهم عاوزين يعملوا زينا”، وهي تقصد أن كل سيدة تعشق الرقص، لكن تتهم من يقدمه بالانحلال وحب الحرام، وفي الدول العربية وبسبب الوازع الديني، يتم التحقير من الراقصات، والنظر لمهنتهنّ كحرام.

من جانبها، قالت الفنانة نبيلة عبيد عن الرقص، في تصريحات خاصة لإرم نيوز: “فن استعراضي جميل، عندما يتحرك الجسد مع الموسيقى تستطيع الراقصة أن تعبر عن إحساس معين، وأن تترجم كل ما بداخلها، الرقص مثل الغناء تعبير عن مشاعر وأحاسيس، ومن أهم الراقصات اللاتي برعن في ذلك سامية جمال، ففي مشاهد مهمة كانت ترقص وفي نفس الوقت تبكي”.

أما الفنانة وفاء عامر، فقالت: “تعلمت الرقص من أجل تقديم شخصية الفنانة الكبيرة تحية كاريوكا، في مسلسل تلفزيوني، وأدركت أنّ الرقص فن صعب جداً، وليس سهلًا، لأنه ترجمة لحزمة من المشاعر والأحاسيس، وليس تحركاً عشوائياً”.

وتتحدث الراقصة دينا عن نفس الأمر، قائلة: “من يهاجم الرقص إنسان مريض، الجميع يرقص عندما تهاجمه مشاعر الفرح، في الهند وتركيا وأمريكا الرقص موجود، قد يختلف المسمى من دولة لأخرى، وقد يختلف اسم الرقصة، لكن الشيء الإيجابي والمهم هو أن الرقص فن محترم، وليس تهمة حتى نتبرأ منها”.

وتقول لوسي لإرم: “كانت بدايتي كراقصة وأفتخر جداً بذلك، وانتقلت من الرقص إلى التمثيل، ولكن خلال مشواري الفني كنت أحب التأكيد دائماً الرقص، كما أنّ الرقص الشرقي فن موجود وله احترامه في كل دول العالم، وأكبر دليل على ذلك إنشاء مدارس لتعليم الرقص في الخارج”.

وأضافت: “التشدد في مجتمعاتنا العربية هو الذي حوّل كل شيء إلى محرّم ومرفوض، لو تأملت تاريخ السينما جيداً سوف تجده يتسع ليضم أسماء عظيمة ومهمة وقد أحبها الجمهور وتعلق بها جداً، مثل تحية كاريوكا ونعيمة عاكف وسامية جمال”.

لكن الفنانة الكبيرة زبيدة ثروت انتقدت الرقص، الذي ظهر في عدد من الأفلام السينمائية مؤخرًا، قائلة: “إذا أردت أن ترى فن الرقص الحقيقي، فعليك أن تبحث عن سامية جمال، فقد رقصت بشكل شيك، ولم تقدم إثارة أو حركات رخيصة، لذا ظلت وحتى رحيلها مثالاً للفنانة الاستعراضية المحترمة، التي احترمت الجمهور”.

وتابعت ثروت: “في الماضي كان الرقص الشرقي فنًا استعراضيًا له تقاليد وقواعد، أما سينما السبكي فقد حولت الفن إلى ابتذال وقلة أدب”.

وقالت الفنانة نجوى فؤاد، في تصريحات خاصة لإرم: “الرقص الشرقي عمره خمسة آلاف سنة، ولقد طلبت من فاروق حسني، عندما كان يشغل منصب وزير الثقافة، إنشاء معهد متخصص لتعليم الرقص، ووضع ضوابط لشكل بدل الرقص، لكن لم يتم تنفيذ الفكرة”.

وواصلت حديثها قائلة: “الرقص مظهر ثقافي، وله جذور عميقة، ومن يتهم الراقصات بالترويج للعري عليه أن يرى ملابس الفراعنة، حيث كانوا يرتدون ملابس عارية في الصلوات والجنائز”.

بينما يرى خالد عواض، موظف في وزارة المالية، أنّ الرقص الشرقي حرام، لأن الراقصات يتعمدن ارتداء ملابس مثيرة، وتحريك الغرائز، لذا تقوم شرطة الآداب بإلقاء القبض على أي راقصة ترتدي بدلة مثيرة، أو ترتكب سلوكًا خادشًا للحياء، حسب قوله.

وتابع عواض: “وفي المجتمعات الريفية تختفي الراقصة، لكنها تظهر بشكل واضح جدًا في المجتمعات الراقية والغنية”.

ويقول شريف لطفي، مهندس: “أرفض الاعتراف بالرقص كفن، لأن الفن رافد من روافد الثقافة، ومهمة الفن أن يرتقي بالإنسان، وليس أن يحرّك غرائزه”.

وترى شريفة عادل، مهندسة ديكور، أنّ الرقص مظلوم في المجتمعات العربية، لأنه رياضة، واستعراض، وهناك الباليه والرقص الإيقاعي، ولكن يظل الرقص الشرقي هو الأساس، ولكن ابتذال بعض الراقصات جعلت منه فناً سيء السمعة”.

ويتحدث نقيب الفنانين، الدكتور أشرف زكي في الموضوع، قائلًا: “الرقص الشرقي ينتمي إلى الثقافة الشعبية، وليس انحداراً أخلاقيًا، بدليل جذوره التاريخية، لكن ابتذال بعض الراقصات والإصرار على العري أضر هذا الفن كثيراً، ففي مصر فرق للفنون الشعبية، تقدم الرقص بشكل محترم وتحقق نجاحات في كل دول العالم”.

ويتبنى الدكتور أحمد مرسي، أستاذ التراث والفنون الشعبية بأكاديمية الفنون، وجهة نظر مختلفة تماماً، إذ يقول لإرم: “الرقص الشرقي ليس ثقافة شعبية، اسمه رقص هز البطن، وقد انتشر في أواسط آسيا، وكانت الكاهنات في المعابد يقمن بهذه الحركات، بجانب المرأة الحامل لحظة الوضع، وليس صحيحاً أنّ الفراعنة هم من ابتكروا الرقص الشرقي”.

وأضاف: “الرقص الذي ينتمي إلى الثقافة الشعبية ظهر في الطبقات الفقيرة، وتؤديه النساء في المناسبات السعيدة بملابس محتشمة، ولا يعني أبداً أنّ مصر لديها راقصات مميزات بأنها مبتكرة هذا الرقص، وأمر طبيعي أن يرفضه الناس، لأن الراقصة تعتمد على الإثارة والعري، وهذا يتنافى مع الأخلاق وعادات مجتمعاتنا العربية”.

ويؤكد سامي محمود، رئيس هيئة تنشيط السياحة، أنّ الفنون الشعبية المصرية والرقص الشرقي بالتحديد يساهم في الترويج للسياحة، لأن الأجانب من كل جنسيات العالم يعشقن الرقص الشرقي، ولديهم غرام كبير لشكل بدلة الرقص، لذا تقوم الأجنبيات بشراء بدلة الرقص، ويتعلمن الرقص أيضاً.

وأضاف: “ولكن حتى تتم الاستفادة من هذا الفن، يجب تنظيم حفلات ضخمة، وعمل دعاية جيدة، الرقص لا يتم استغلاله بشكل جيد من أجل الترويج للسياحة، ولكنه بالنسبة للراقصات والملاهي الليلية وسيلة لكسب الرزق”.

وتقول مايسة الخطيب، أستاذة علم الاجتماع، إنّ الرقص الشرقي في مصر أصبح مظهراً للأنوثة الطاغية والملفتة، وليس غريباً أنّ بدلة الرقص أصبح لها مكاناً في خزانة العروس.

وأضافت: “تريد المرأة أن تحتفظ بزوجها، وترى أنّ الرقص سوف يثيره، ويجعلها جميلة أمام عينيه، لذا تشاهد الكليبات الراقصة، وتحاول تقليد أشهر الراقصات أمام المرآة، وقد أصبحت صافيناز في الفترة الأخيرة رمزًا للراقصة الجميلة التي تحرص كل فتاة على الاقتداء بها”.

القواعد والضوابط

لا توجد قواعد منظمة أو قوانين لمهنة الرقص، فهو موجود في كل الملاهي الليلية، وتعرضه الفضائيات ليلًا نهارًا، ويوجد في السينما، واقتحم مؤخراً الدراما التلفزيونية، والشيء الوحيد الذي يعكر صفو الراقصات، هو حملات مباحث الآداب التي تداهم الملاهى الليلية، وتحتج فقط على شكل بدلة الرقص، وإذا كانت مثيرة أو خارجة، يتم تحرير محضر للراقصة، وصاحب المكان، بتهمة عدم مراعاة الآداب العامة.

أشهر الراقصات في السينما المصرية

– بديعة مصابني هي التي أسست فرقة “بديعة مصابني” واشتهرت بأداء الفن الاستعراضي، وحققت شهرة كبيرة، وضمت فرقتها عددًا كبيرًا من النجوم.

– الراقصة كيتي، وهي راقصة من أصل يوناني، لكنها ولدت وعاشت في مصر، وقد عرفها الجمهور من خلال أدوارها مع الكوميديان الكبير إسماعيل ياسين.

ــ سامية جمال، وهي صاحبة أداء فريد في الرقص الشرقي، وخطفت الأنظار بظهورها في السينما أمام فريد الأطرش في فيلم “عفريتة هانم”، وأمام رشدي أباظة في فيلم الرجل الثاني.

ـ تحية كاريوكا، وقد بدأت شهرتها العام 1940، وبقدر براعتها في الرقص، تألقت وتوهجت كممثلة، لها حضور، ومن أبرز وأجمل أدوارها “شباب امرأة”، أمام شكري سرحان، وكان لها مواقف سياسية بارزة.

ـ نعيمة عاكف، وكانت شديدة الموهبة، وحصلت على لقب أفضل راقصة في العالم، من خلال مهرجان موسكو العالمي، عام 1958.

ـ زينات علوي، التي حاول عدد كبير من المخرجين الدفع بها كممثلة، لكنها رفضت، وظلت تعتز بعملها كراقصة فقط، وهي من مواليد عام 1930.

ـ نجوى فؤاد، بدأت كراقصة في الملاهي الليلية، وبعد ذلك انتقلت إلى السينما، وقامت بتأسيس شركة إنتاج سينمائي، وقدمت فيلم “حد السيف”.

وفي فترة زمنية متقاربة، ظهرت الراقصات زيزي مصطفى وفيفي عبده ولوسي ودينا، واستطاعت كل واحدة منهن الانفراد بالساحة لعدة سنوات، حتى ظهرت الراقصة الأرمينية “صافيناز”، والتي كانت بدايتها من خلال قناة فضائية للرقص الشرقي فقط، وفي العام 2013 استطاعت أن تحقق شهرة كبيرة بعد ظهورها في فيلم “القشاش”، وتوالت أعمالها لتصبح أهم راقصة موجودة على الساحة الفنية في العالم العربي، ومؤخراً بدأت تقدم نفسها كممثلة.

ممثلات تفوقن على الراقصات

مع زحف الرقص إلى السينما، أصبحت الممثلة التي لا تجيد الرقص عديمة الموهبة، وليست ممثلة شاملة، ومن نجمات التمثيل اللاتي نجحن في الرقص، وتفوقن على أمهر الراقصات، الفنانة الكبيرة سعاد حسني، ومن أهم أفلامها “خلي بالك من زوزو”، إنتاج العام 1972 أمام حسين فهمي، وظهرت فيه بدور فتاة جامعية والدتها تعمل راقصة، وعندما يتقدم بها قطار العمر يزيد وزنها، ويسخر منها المجتمع، لذا تقرر الفتاة الجميلة أن تكون بديلة لوالدتها وتترك الجامعة وتحترف الرقص.

كما نجحت زبيدة ثروت في لعب دور الراقصة، بفيلم “زمان يا حب”، العام 1973، وشاركها البطولة يوسف وهبي، وفريد الأطرش.

واستطاعت نبيلة عبيد، أن ترقص بمهارة على شاشة السينما، ومن أبرز أفلامها التي رقصت فيها “عودة أخطر رجل في العالم”، أمام فؤاد المهندس.

كما قدمت النجمة ليلى علوي أيضاً دور الراقصة في أكثر من فيلم، مثل “يا مهلبية يا” و”سمع هوس”.

نجمات كثيرات قدمن مشاهد رقص، وآخرهن علا غانم ونيرمين ماهر، لكن تظل الفنانة سعاد حسني الأبرز كراقصة وممثلة.

دنيا الوطن