منصور الصويم

البلد انتهت


يبدو وكأنها الصيغة النهائية التي اتفق عليها الجميع في توصيف حال البلد، مع التنويع الطفيف في طريقة استخدامها أو نطقها، فإما هي (البلد دي انتهت خلاص)، أو (السودان دا انتهى)، أو كلمة واحدة (خلاص) مرفقة مع إشارات بالأيدي والوجه تعني النهاية أو تلك الطريقة الدرامية المحزنة حقيقة (السودان، يا حليلو..).. هذه الجملة التشاؤمية تأتي غالباً رداً على سؤال عن الأحوال بصورة عامة، وقد تكون خاتمة تلخيصية لحال البلد بعد حديث مطول أو قصير عن قضية ما متداولة ومنتشرة، وقد تأتي هكذا بلا مناسبة: شخص يجلس وحيداً يصفق بيديه فجأة قبل أن ينهض وينفض التراب عن جلبابه ويقذف بها (البلد دي انتهت.. والله).
ما هي الدوافع التي تدفع الأفراد على تكرار هذه العبارة البائسة، وبهذا المنوال الذي يكاد يكون يومياً؟ كيف تسربت الروح المحبطة هذه من أفراد بعينهم لتصبح لسانًا جمعيًا يعبر عن الكل؟ طيب، هذا الشخص مثلاً الذي نفض التراب عن ملابسه وهمس فجأة (البلد دي انتهت.. والله)، ما الذي كان يعنيه بذلك، وعلى أي حال يرثي؟ وصف الرجل الظاهر، جلسته متوحداً، همسه لنفسه، حيرته البادية، الغبار الذي يعلوه، كل هذا قد يقود إلى التعرف على ظرف مالي – معيشي يعاني منه، قد يكون عاطلاً عن العمل، فصل قبل فترة من وظيفته التي يعتمد عليها، تاجر بارت سلعه وخرج من لعبة السوق، بصورة عامة هو شخص يواجه الخسارة وحيداً، لكنه حين يتأمل وضعه لا يأسف على نفسه فقط بل يتأسف على البلد بالكامل (البلد دي انتهت.. والله).. كيف حدثت عملية الإسقاط هذه؟
تتكرر الجملة (البلد انتهت) بكثرة في المناسبات العامة وفي الأحاديث المتبادلة بين المغتربين مع الموجودين بالداخل، قد يبدأ بها الكلام أو يختم بها، المهم أنها حاضرة بقوة تفعيل غريب على مستويين؛ مستوى يدعو صراحة للهروب والخروج من البلاد إلى أي جهة أخرى حتى وإن كانت الجحيم، ومستوى آخر غارق في البؤس واليأس والإحباط لا يعرف أصحابه بالضبط ما الذي يجب عليهم أن يفعلوا بخلاف البكاء وحالة الحداد التي أعلنوها على البلد. بلا شك الإجابة عن هذا الاتفاق الإحباطي الجمعي تكمن في الظروف الاقتصادية المتدهورة التي يعاني منها السودان والتي أوصلت الجميع إلى حافة الحضيض – الفقر والحاجة وضيق الحياة!
كيف يمكننا أن نحيي الروح في هذه (البلد)، فهي لم تنته ولن تموت.. لكن كيف يمكننا إنقاذها؟