تحقيقات وتقارير

نظام الحكم في السودان.. إتجاهات متعددة


قطع رئيس لجنة قضايا الحكم وتنفيذ مخرجات الحوار بروفسير بركات موسى الحواتي أن توصيات اللجنة دعت إلى تشكيل حكومة وفاق وطني مدتها أربع سنوات، تبدأ بعد ثلاثة أشهر من إعتماد التوصيات من قبل الجمعية العمومية، في الوقت الذي اتفقت فيه اللجنة على النظام الرئاسي واستحداث منصب رئيس مجلس الوزراء، ووفقاً للجنة فإن حكومة ما بعد الحوار الوطني ستمهد لإجراء انتخابات حرة ونزيهة وتفوّض رئيس الجهورية لتكوين آلية لتنفيذ مخرجات الحوار، وأشار الرجل إلى أن أجل حكومة الوفاق الوطني، أربع سنوات متصلة ابتداءً من تاريخ تشكيلها، وأن يحكم دستور 2005 الانتقالي مرحلة الحكم الوفاقي بعد إجراء التعديلات اللازمة عليه، (ألوان) سعت من خلال هذه السطور إلى البحث عن الطريقة التي سيحكم بها السودان في أضابير النظام الرئاسي والبرلماني وخرجت بهذه الحصيلة التالية.

مهمة الحكومة:
قال الحواتي أن مهمة حكومة الوفاق الوطني تنحصر في الإعداد لانتخابات حرة ونزيهة، وتفويض رئيس الجهورية لتكوين آلية لتنفيذ مخرجات الحوار بالتشاور مع القوى السياسية، وحول المحكمة الدستورية، أشار الحواتي إلى أن اللجنة دعت إلى أن تتكون المحكمة الدستورية من تسعة أعضاء، يتم اختيارهم من كلية انتخابية من ذوي الخبرة والكفاءة والنزاهة والمصداقية والتجربة، وتتكون الكلية الانتخابية من قضاة المحكمة العليا وعمداء أو ممثلي كليات القانون بالجامعات الحكومية، ويرفع رئيس الجمهورية أسماء رئيس وأعضاء المحكمة الدستورية المرشحين للبرلمان للموافقة عليهم، لإعتماد النظام الرئاسي استحداث منصب رئيس وزراء يفتح الباب أمام الفروقات بين النظام البرلماني والرئاسي سلباً وإيجاباً ووفقا للرؤية القانونية فإن النظام الرئاسي يعتمد مبدأ الفصل التام بين السلطة التنفيذية والتشريعية أي لا يمكن لأي سلطة التدخل في السلطة الأخرى، بمعنى أن تقوم السلطة التشريعية بالتشريع ولا تتدخل في التنفيذ، وظهر هذا النظام لأول مرة له في الولايات المتحدة الأمريكية عندما أقرت أول دستور مكتوب لها، لكن هذا النظام تم تعميمه في العديد من الدول الأخرى نتيجة القرب الجغرافي بأمريكا الجنوبية والدول المستقلة حديثا لأن النظام الرئاسي يمثل بالنسبة لهذه الدول التي خرجت من القبلية علاقة مباشرة بين الرئيس والشعب.

السلطة التنفيذية:
يرى فقهاء القانون من الممكن أن تكون السلطة التنفيذية أحادية (من شخص واحد) كما يمكن أن تكون مزدوجة (رئيس دولة + رئيس حكومة)في النظام الرئاسي رئيس الدولة وفي ذات الوقت رئيس الحكومة والرئيس هو المسؤول الأول عن السلطة التنفيذية والحكومة تتكون من أشخاص بعينهم، ويمكن له إقالتهم ورئيس الدولة هو رئيس الوزراء وكاتب الدولة أو الوزير الأول مسؤول أمام الرئيس ومن ميزات هذا الأمر أن الرئيس ينتخب من الشعب لكن عادة ما يتم في دورتين وهذه القوة التي يستمدها الرئيس من الشعب تسمى الشريعية في ممارسة الحكم وصلاحياته وهي سياسية بالدرجة الأولى فهو يمثل السياسة الخارجية وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة له صلاحيات عليا في الجيش وعلى الدبلوماسية، وتعيين أعضاء الحكومة و بإمكانه إقالتهم، وعلى المستوى الإداري هو المشرف الأول على التسيير الإداري لكل المصالح الوزارية، مثل تعيين الموظفين السامين بالإدارة باعتبار إن الإدارة تنفذ برنامج رئاسي حيث إن هذه الصلاحيات العديدة تجعل منه المسؤول الأول في السلطة التنفيذية وله حق العفو (العفو الرئاسي) وله صلاحيات خاصة في الحالات الاستثنائية (خطر على الدولة) يعلن حالة الطوارئ ويصبح هو المسير الوحيد دون انتظار القانون أو أي هيئة أخرى.

النظام البرلماني:
يعتبر من اعرق الأنظمة الديمقراطية وله أعراف سياسية تطورت حسب الزمن لتكون دستورا وأن أول دستور كتب في هذا النظام يعود للسويد بالنظام البرلماني وتم تعميمه في اغلب الأنظمة الملكية الأوروبية (إسبانيا – هولندا– لكسمبورغ…الخ)، وبعد حركة الاستقلال للمستعمرات البريطانية السابقة تبنت النموذج البرلماني مثل (الهند- بنغلادش- باكستان– كندا…الخ) وهناك أيضا بلدان تخضع للنظام الجمهوري لكن طبيعته الفدرالية دفعها إلى تطبيق هذا النظام مثل ألمانيا وتم استحياءه من النموذج البريطاني جاء نتيجة تطور مع نظام ملكية مطلقة وجاء للحد من صلاحيات الحكم المطلق بالتدرج نتيجة ظروف تاريخية خاصة ببريطانيا أدت إلى تقلص دور الملك تدريجيا و ضعفه في مراحل معينة أدى إلى تكوين مجلس النبلاء وكان لهذا المجلس دور أساسي من تمكين الملك من رفع الجباية على المواطنين و يسن القوانين حول المسائل المالية وتكون بعد ذلك في مرحلة ثانية مجلس العموم وبهذا تكونت غرفتين غرفة عليا(طبقة النبلاء) وغرفة سفلى (عموم الشعب) تنتخب من قبل الشعب، وكان إلى جانب الملك مجموعة من المستشارين تدعم دورهم تدريجيا وأصبحوا يتحملون المسؤولية إزاء الملك الذي يعينه ثم البرلمان الذي بإمكانهم إقالتهم وتعزز دور الحكومة بوجود مستشار أول أصبح رئيس الوزراء وساعد هذا التطور في ظهور الأحزاب السياسية وأصبحت من التقاليد إن الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية(العموم) يترأس الحكومة ويصبح الوزير الأول ويشكل حكومة ويصبح مسؤول أمام البرلمان والنظام البرلماني نظام تفاعل بين السلط باعتبار رئيس الحكومة نابع من الأغلبية في البرلمان وبإمكان هذه الأغلبية أن تتحول ومن مظاهر التفاعل الإمكانية المخولة للبرلمان لعرض لائحة «لو»(عدم موافقة على الحكومة) وهذا يعني بإمكان البرلمان إقالة الحكومة وبإمكان الحكومة طلب حل البرلمان وتنظيم انتخابات جديدة تشريعية.

السلطة التنفيذية:
رئيس الدولة أي رئيس الجمهورية له دور شرفي ممثل لاستمرارية الدولة أو الملك ليس له دور كبير حيث تقلصت صلاحياته تدريجيا أصبحت رمزية، ورئيس الدولة ليس له شرعية لأنه غير منتخب من الشعب و أيضا الملك باعتباره حسب الوراثة فرئيس الدولة يعينه البرلمان لكن دوره شكليا و يعين رئيس الحكومة وتعزز دوره في ظل الأنظمة التي تقوم على تعددية حزبية وأيضا في ختم القوانين، الميسر الفعلي للسلطة التنفيذية البرلمان ورئيس الحكومة وهو زعيم الأغلبية داخل البرلمان وهو المسؤول إزاء البرلمان، يعين وزرائه إما من حزبه أو من الائتلاف الحكومي(من الأحزاب الأخرى) التفاهم على برنامج سياسي معين لتطبيقه، وبهذا يمكن للحكومة أن تتكون من عدة أحزاب، رئيس الحكومة يمكن لصلاحياته إن تتقلص إذ لم يحصل على الأغلبية في البرلمان واللجوء إلى الائتلاف لا يمكنه من تنفيذ برنامجه السياسي على أحسن وجه.

الحالة السودانية:
دساتير السودان دستور 1953 دستور 1956 الأمر الدستوري 1958 – 1964 دستور 1964 دستور 1964 (معدل 1965) دستور 1964 (معدل 1966) (معدل 1967) دستور 1964 دستور 1964 (معدل 1968) دستور 1973 الدستور الانتقالي 1985 دستور 1998 دستور 2005، أمنت على بنيوية نظام الحكم في السودان نظام رئاسي، حيث يتم انتخاب رئيس الجمهورية انتخاباً حراً مباشراً من كافة المواطنين الذين بلغت أعمارهم 17 عاماً، ويحق لأي مواطن أن يترشح لمنصب رئيس الجمهورية ولا يشترط في ذلك أن يكون ممثلاً لحزب سياسي مسجل أو غير مسجل، تنقسم البلاد إلى 25 ولاية وتتمتع هذه الولايات بسلطات تشريعية وتنفيذية واسعة إذ يقتصر دور المركز ممثلاً في وزاراته الاتحادية على التخطيط وإقرار السياسات العامة، ويمثل الحكم المحلي أحد ركائز الحكم في السودان حيث تتكون كل ولاية من عدد من المحليات التي تتولى عبر أجهزة شعبية مهمة تخطيط وتنفيذ وإدارة كافة الأنشطة التعليمية والصحية والزراعية والحرفية والخدمية علي مستوي المحلية، هذا ويتكون نظام الحكم في السودان من ثلاث سلطات: السلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية، والسلطة القضائية، فالسلطة التشريعية بدأت التجربة البرلمانية السودانية بتكوين مجلس الحاكم العام سنة 1910 لبحث وإجازة القوانين واللوائح والأوامر التى يصدرها الحاكم العام، تلي ذلك إنشاء المجلس الاستشاري لشمال السودان 1943 -1948م، وتكون المجلس الاستشاري من 30 عضواً من زعماء العشائر ورجال الدين جميعهم من شمال السودان ورئاسة الحاكم العام، وجاءت أول جمعية تشريعية في الفترة 1948م– 1953م التي بلغ عدد أعضائها 79 عضواً برئاسة محمد صالح الشنقيطي، ومن أهم إنجازاتها تدريب عدد من النواب والوزراء السودانيين على نظم الحكم والحياة البرلمانية وسلطة الحكم وإجازة.

النواب والوزراء السودانيين على نظم الحكم والحياة البرلمانية وسلطة الحكم وإجازة .

منضدة التوصيات:
تزاحم التوصيات فى لجنة الحكم الإدارة وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني حول تلك التوصية التى ترفع للجنة التنسيقية العليا لمراجعتها وتمحيصها، واختيار النظام الرئاسي على البرلماني وفق ما دفعت به لجنة الحكم والادارة، حيث يرى رئيس لجنة الشؤون القانونية والدستورية بالحزب الاتحادي الديمقراطي عضو لجنة الحريات والحقوق الأساسية محمد الطيب زين العابدين انهم قدموا رؤية حزبهم فى لجنة الحكم، وأمنوا على أن النظام الرئاسي هو الأفضل للحالة السودانية فى الوقت الراهن خاصة بالنظر إلى الحروب المستعرة في أطراف البلاد وهو وضع يتماشى مع وضعية البلاد أيضا، ويذهب عابدين في حديثه مع (ألوان) أمس، أن المستوى الثاني من الحكم هو تعين الولاة بحيث يكون للرئيس سلطة الرقابة، ويضيف نحن الآن خرجنا من الحوار الوطني إلى تنفيذ مخرجاته وهي المرحلة الأخيرة التي لا يستطيع شخص أن يكون الضامن غير الرئيس نفسه الذى وعد بذلك، ويرى محمد الطيب عابدين أن استحداث منصب رئيس مجلس وزراء يكون له رؤية مختلفة عن رئيس الجمهورية سواء فى تنفيذ المخرجات أو الآليات التى يتم بها التنفيذ ممها قد يضيع تنفيذ تلك المخرجات.

النظام المختلط:
فيما يرى المستشار القانوني خالد بكرواي أن النظام المختلط هو الأفضل لحكم السودان مشيرا إلى أن السودان عمل بكافة التجارب ضمن الأنظمة المطروحة فى النظام السياسي، وبما أننا كنا مستعمرين لدى بريطانيا والتي كانت تحكم بنظام ملكي دستوري بمعنى ان الملك يملك ولا يحكم والسلطة المطلقة للبرلمان ورئيس السلطة التنفيذية لرئيس مجلس الوزراء وتكون الرقابة عليه من قبل البرلمان والقضاء، ويذهب بكراوي فى حديثه مع (ألوان) أمس أن السودان من خلال فترة الحكم العسكري كان النظام رئاسي مستبد وأن الهيئات التي أنشئت فى تلك الفترة كانت صورية ليس لها مقدرة على محاسبة الجهاز التنفيذي أما في فترة الديمقراطيات فقد تم تجريب النظام البرلماني بحيث تم تشكيل مجلس سيادة ولكن اتضح أن مجلس السيادة لديه سلطات تنفيذية مع رئيس مجلس الوزراء لذلك فإن النظام المختلط الذي يعمل به الآن في السودان هو الاوفق بحيث يوجد صلاحيات للرئيس والبرلمان وهو الاوفق خاصة اذا نظرنا إلى الراهن السوداني حتى تكتمل المؤسسات وتكون هناك ديمقراطية حقيقية ويصبح البرلمان هو المسؤول امام الشعب، واعتبر بكرواي أن المجتمع السوداني المكون من بدو ورعاه وقبلية لا يمكن أن يأتي العضو البرلماني على أساس كفاءة ولكن يأتي بناءً على الاتنماء وهو ما يضعف الفكرة البرلمانيه، ويشاطره فى هذا الاتجاه عضو لجنة الحريات والحقوق الاساسية محمد الطيب عابدين بأن حالة عدم استقرار المؤسسات وعدم نضج الممارسة الحزبية واستتباب الديمقراطية بالشكل المطلوب بعدها يمكن النظر في النظام البرلماني أو المختلط.

النظام الرئاسي:
يرى فقهاء القانون أن للنظام الرئاسي كغيره من الأنظمة السياسية الأخرى مجموعة من المزايا منها توفير الاستقرار السياسي لمرحلة انتخابية كاملة، وتأمين استقرار الحكومة بغض النظر عن الاتجاهات الحزبية المعارضة،يوفر فرصة أفضل لعمل الحكومة وحرية الحكومة وفي المقابل يوفر للبرلمان حرية الحركة والمناقشة فللبرلمان سلطة مهمة لعل أبرزها العمل الرقابي والتشريعي وإجازة الموازنة العامة كما أن الرئيس في النظام الرئاسي يتمتع بشعبية كبيرة وهيبة مهمة لأنه مرشح الأمة ومنتخب من الأمة بشكل مباشر وهذا ما يعفي الرئيس من الولاءات الضيقة وهذه الميزة فى حال أن الرئيس يأتي عبر حزب سياسي معين ثم يوسع رؤيته للمشاركة فى الحكم، إنه نظام ناجح في البلدان ذات التجربة الديمقراطية المتكاملة والتي يكون فيها مستوى النضوج والوعي السياسيين عالياً لأن الديمقراطية لا تكتفي برسم حدودها لما يحق أو لا يحق أن تفعله، ولكنها أيضاً تحكم على بعض الأفكار والمعتقدات التي تجد لها مكاناً في أذهان بعض الأفراد من الشعب، بل يجري في بعض الأحيان السماح للعنصرين بالتظاهر والتعبير ضد هذه الجهة أو تلك باسم الديمقراطية وحرية الفكر وهذا غير موجود في كثير من دول العالم الأخرى.

عيوب النظام:
من عيوب النظام الرئاسي _بحسب الفقهاء القانونيين_ أن تطبيق هذا النظام الذي يقوم على الفصل بين السلطات غير ممكن لأنه يعني كالفصل بين أجزاء الجسم البشري، لان الاتصال بين السلطات الثلاث اتصالاً عضوياً، لأنه يلغي مبدأ المسؤولية السياسية مما يعني إمكانية التهرب من المسؤولية وصعوبة معرفة المسؤول الحقيقي عن الخطأ، يرى الخبير القانوني روسو أن فيه تجزئة للسيادة، وذهب آخرون مثل بعض الفقهاءكالمان كجيلنك ولاباند والفرنسي العميد ديكي إلى القول، إن الفصل بين السلطات يؤدي إلى هدم وحدة الدولة كذلك أنه يؤدي إلى الاستبداد في دول العالم الثالث أي استبداد السلطة التنفيذية وهيمنة الرئيس سياسياً ودستورياً في الحياة الوطنية وإعادة انتخابه لأكثر من مرة وهى حالة سودانية بامتياز،ويذكر بعض المفكرين العرب أن الأنظمة العربية وبشكل عام هي نظم محافظة وهي على النقيض من النصوص الدستورية والقانونية لا تسمح بتغيير قمة النظام السياسي والهياكل الأساسية بنحو سلمي وكاستجابة لمطالب الرأي العام، بل إن الأدهى من ذلك إنه ليس هناك تغير لأي نظام سياسي عربي قد تم بصورة سلمية ومن خلال عملية ديمقراطية سلمية، وإنما يكون التغيير إما عن طريق العنف المسلح أو الوفاة الطبيعية ولذلك فالنظام الرئاسي يزيد من الغطاء الدستوري والقانوني للاستبداد بالسلطة والديكتاتورية.

عبد العزيز النقر
صحيفة ألوان


تعليق واحد

  1. شكرا جزيلا والله عرفت اشيلء لم اعرفه من قبل جزاك الله خير