محمد محمد خير

في الثقافة والسياسة


كتاب قديم اشتريته من معرض القاهرة للكتاب عام 95 من القرن الماضي ولم تتيسر لي قراءته إلا الأسبوع الماضي، وجدت فيه ما يغري للكتابة عنه، فمؤلفه الأستاذ المرحوم عبدالمنعم الصاوي كان من حملة مشاعل التنوير والمثاقفة في مصر، وأطروحة الكتاب رصينة وموضوعية وهادفة، وأسئلته وجيهة وجياشة فهو يصل إلى أن كلا من السياسة والثقافة يتصل بحياة الناس اليومية لكن بدأ أن كل من السياسة والثقافة من السهولة واليسر بحيث لا يحتاج أي منهما إلى درس أو بحث أو تخصص.

السياسة مثلاً سخرها أصحاب المصلحة من الغزاة والمحتلين ليكسبوا غزوهم صفة مشروعة فلا يبدو أن ذلك عدوان أو انتهاك للحريات، لم تعد السياسة بذلك الصفاء بعد أن شوهها أصحاب الهوى فجعلوها وسيلة من وسائل اغتصاب الحقوق، وطريقاً من طرق التضليل والخدعة وأسلوبا من أساليب تخدير الناس وصرفهم عن أهدافهم الحقيقية بالدجل الرخيص.

لم تعد السياسة كذلك يوم هوى بها أصحاب النوايا الشريرة فجعلوها حرفة من لا حرفة له وصناعة من لا صناعة له، فأصبحت طريق المغامرين إلى النفوذ والجاه والسلطان. اقتطف المؤلف بعضاً من ضيق الإمام محمد عبده حين قال:

«أعوذ بالله من السياسة، ومن معنى السياسة ومن كل حرف يلفظ من كلمة السياسة، ومن كل خيال يخطر ببال عن السياسة ومن كل أرض تذكر فيها السياسة ومن كل شخص يتكلم أو يتعلم أو يجن أو يعقل في السياسة، ومن ساسة وسوس وسائس ومسوس».

يصل المؤلف إلى أن السياسة علم له حدوده الخاصة وعلى الإنسان أن يتعلمه ويتدرب عليه إذا كان راغباً فيه، أما الثقافة فشيء آخر، إنها جزء من الإنسان نفسه، تكمن في ذاته حتى لتعتبر عنصراً لا يمكن أن ينفصل عنه، لهذا فإن الثقافة قادرة على حماية نفسها بنفسها وكذلك فإن ما يميز الثقافة الأصيلة ويعصمها أنها بطبعها سباقة إلى التقدم فما من صيحة بالحرية إلا وكانت الثقافة وسيلتها، وما من نداء بالعدل إلا وكانت الثقافة اللسان الأمين إلى أسماع الملايين.

ضمن الركائز والمرجعيات المساندة للثقافة يسأل الصاوي هل الثقافة هي التعليم أم هي التربية أم العادات والتقاليد أم هي المذاهب والأديان والمعتقدات؟

يجيب المؤلف على تساؤلاته بأن الثقافة هي ليست التعليم وإن كان التعليم أحد الأسس اللازمة والضرورية لتكوين الثقافة، فاللغة مثلاً هي أداة التعبير بصفة عامة لذا فهي ضرورية لتكوين الأدب لكن اللغة ليست هي الأدب. إنها أداة الأدب لا الأدب نفسه، والتربية كذلك ليست هي الثقافة وإن كانت ذات تأثير عليها، أما الدين والمذهب والعقيدة فهي الأخطر تأثيراً على الثقافة لكن واحداً منها ليس هو الثقافة.