الطاهر ساتي

أرقاء المحليات …!!


:: الجمعة الفائتة، إحتجاجاً على مصادرة وسيلة رزقه (الدرداقة)، صبياً كاد أن ينتحر بالوقوع من مباني محلية شيكان بشمال كردفان لولا يقظة يقظة وتضحية الشرطة..تم إنقاذ الصبي من الموت إنتحاراً، وأصيب الشرطي المنقذ بإصابة بليغة ألزمته سرير المستشفى، شفاه الله والتحيات له ولرفاقه.. وعد معتمد شيكان بحل قضية هذا الصبي..وهذه الواقعة ليست الأولى في دنيا محليات البلد، وذاكرة الناس كما إرشيف الصحف تضج بوقائع كثيرة بحث خلالها البسطاء طريق الموت هروباً من ضنك المحليات والولايات، ولم يجدوه ..!!
:: على سبيل المثال، بعد إزالة سوق حلايب بأمدرمان، عقد محمد العمدة معتمد كرري السابق لقاء تفاكريا مع بعض اللجان والمواطنين لمناقشة قضايا محليته..وفي اللقاء، أجهش أحد الأطفال بالبكاء قائلاً بصوت عال : ( نحن فقدنا الدكان البنعيش منو، وما عارفين أنا وأمي نعمل شنو؟)..كان للطفل ووالدته دكاناً بسوق حلايب وأزالته بلدوزرات المحلية في ساعة ضحى..وكان رد فعل المعتمد إيجابياً أمام الحدث المؤثر، إذ تعهد بكفالة أسرة الطفل بمبلغ شهري قدره (1.200 جنيهاً)..فكم طفل و أم و أب بكوا سراً مساء تلك الإزالة، ولم ينتبه لبكائهم معتمد أو وال ..؟؟
:: وفي الذاكرة أيضاً، بالخرطوم عندما كان الدكتور المتعافي والياً..صعد أحد البسطاء إلى سطح برج البركة، وأقسم ألا ينزل ما لم تحل الحكومة مشاكله التي من شاكلة إيجار المنزل ورسوم المدارس وغيرها، هذا أو الإنتحار..فتدخلت الشرطة وفاوضته بحكمة حتى توصلت معه إلى إتفاقية ( النزول مقابل القروش)..وفي صحف اليوم التالي للحدث، تعاطف معتمد الخرطوم مع حال المواطن مصرحاً بالتزامه بحل قضاياه و تسديد ما عليه من ديون، فكتب صلاح التوم ساخراً : (كان كده كلنا ح نطلع البرج )..!!
:: و..و..هناك الكثير من المواجع، و لن يكون صبي محلية الشيكان آخر الباحثين عن الموت..فالسواد الأعظم من أصحاب مهنته وغيرها من المهن الموصوفة بالهامشية يبكون دماً ودموعاً خلف جدران منازلهم من وطأة الغلاء والعلاج والتعليم وأثقال الرسوم والجبايات، ويموتون – في اليوم ألف مرة – من ضنك الحياة، ولايجدون في جيوش المعتمدين فاروقاً يتفقدهم ليلاً ويعرف سر البكاء وحجم الدموع ..فالوسادة والليالي وحدها هي الشاهدة على دموعهم ثم تفضيلهم للموت على حياتهم..وليت معتمد شيكان يسأل نفسه إن كان هذا الصبي هو الباحث الوحيد عن الموت في رعيته هروبا من سياسات محليته أم هناك آخرين بحثوا ولا يزالوا ..؟؟
:: و رؤساء المحليات هم الأكثر حديثاً عن ضرورة دعم الفئات الفقيرة، بل بهذا الدعم يبررون لسياسة رفع الدعم عن القوت والوقود..ولكن في الواقع – بالسياط المسماة بالأوامر المحلية – هم أكثر المسؤولين إرهاقاً لهذه الفئات الضعيفة..بأمرهم، تتفاجأ الأم بالحملات العشوائية وتحزن أو يبكي طفلها أمام المعتمد أويبحث صبيها عن الموت إنتحاراً..هكذا تدعم المحليات الفئات الضعيفة.. وبأمرهم، ملزم صبي الدرداقة بأن يدفع للمحلية – أو لمتعهدها – جزية يومية كقيمة ايجار للدرداقة، وممنوع من شراء وامتلاك تلك الدرداقة التي لاتزيد سعرها عن قيمة ( جزية شهر)..وعليه، قبل محاكمته بتهمة الشروع في الإنتحار، أسألوا هذا الصبي عن أحوال رفاقه الأرقاء بأسواق محلية شيكان..!!