عبد الجليل سليمان

العنوان يا عبد الله


ما لا شك فيه، أن علاقة العنوان بالنص علاقة تكاملية وجذرية لا انفصام فيها، فالعنوان يعد نصًا موازيًا نظرًا نظرًا لكونه مدخلًا أساسيًا في قراءة النص، بوصفة عتبته وبدايته، وإشارته الأولى، وهو كذلك من العناصر المجاورة والمحيطة بالنص الرئيس إلى جانب الحواشي والهوامش والمقدمات والمقتبسات والأدلة الأيقونية. إلاّ أن كثيرين من لناشطي الفكر والثقافة، من الضيوف الدائمين على منصات منتديات الخرطوم، يخذلون ذلك ويخزونه. إذ يدعونك إلى ندوة أو مؤانسة تحت عنوان محدد، فتتكبد مشقة الحضور بناءً عليه، ثم تُفاجأ بهم يتحدثون عن موضوع آخر، لا علاقة له بالعنوان (الدعائي) المطروح.
بطبيعة الحال، لا أعرف لماذا يفعلون ذلك. لماذا يضللون الحضور؟ هل لأنهم يعدون العنوان هامشًا لا قيمة له وملفوظًا لغويًا لا قيمة له، أم لأنهم يقبلون المثول أمام الجمهور تحت إغواء المنصات الذي لا تُقاوم، دون أن يُحضِّروا جيّدًا لموضوعِ الندوة، فــ(يُخرِّمون) إلى مواضيع أخرى، بعد أن تنعقد ألسنتهم ويعجزون عن الاستطراد في الموضوع الرئيس، فلا يحظى إلا بدقائق معدودة من مجمل الوقت المحدد للندوة، بعدها إما أن يتحدثون عن أنفسهم أو يمضون إلى موضوعات أخرى ليست ذات صلة بالعنوان، موضوع الدعوة.
ولعل د. عبد الله علي إبراهيم، يعد أبرز هؤلاء المثقفين، الذين يطرحون عنوانًا، ثم يديرون له ظهورهم دون أن يرف لهم جفن، فالرجل له تاريخ طويل في مفارقة عناوينه، يدعو الجمهور لحضور ندوة عن موضوع ما، ثم يمضي إلى آخر. حدث ذلك في طيبة برس قبل سنوات (حين طرح نفسه مرشحًا للرئاسة)، ثم في دار حركة حق في ندوة بعنوان (المثقف والسلطة)، وها هو يأتي أول أمس إلى مركز الفيصل الثقافي متحدثًا إلى مؤانسة تحت عنوان (في بلاغة الرباطاب)، يتحدث لدقائق معدودة عن الموضوع (الأصل)، ثم يمضي إلى أمور أخرى لا علاقة لها بالعنوان، حتى بلغ الأمر أن انسحب كثيرون من المؤانسة قبل انتهائها ولديهم إحساس بأن الرجل (طفف) عليهم و(ضللهم).
والحال هذه، لم يقتصر الأمر على د. عبد الله، بل تجاوزه إلى المعقب الرئيس، الذي لربما وجد نفسه في ورطة، حين لم يجد ما يعقب عليه، فاختار أن يتحدث عن علاقته بعبد الله علي إبراهيم، ساردًا تفاصيل مملة عن أول لقاء، قبل أن يعرِّج بنا إلى إفكاره عبد الله ومساهماته في إثراء الفكر والثقافة، فضيعا على الحضور وقتهم، وأضاعا بلاغة الرباطاب (شمار في مرقة).
على كلٍّ، هذا ليس ديدن عبد الله وحده، وإن كان أكثرهم مجانبة ومفارقة للعناويين، وبرأيي أن مثل هذه الخروقات، سبب رئيس لتدني نسبة الحضور وعزوف الجمهور عن تلك المنتديات، فالعنوان بحسب (كلود دوشيه): “عنصر من النص الكلي الذي يستبقه ويستذكره في آن، بما أنه حاضر في البدء، وخلال السرد الذي يدشنه، يعمل كأداة وصل وتعديل للقراءة”. هذا علاوة على وظيفته الإشهارية والقانونية التي كتب عنها الباحث المغربي إدريس الناقوري، وهي تتجاوز دلالات العنوان الفنيّة والجمالية لتندرج في إطار العلاقة الاقتصادية والتجارية؛ كما في عناوين الكتب التي تتحول إلى سلعٍ قابلة للتداول، إضافة إلى كونها وثائق قانونية وسندات شرعية تثبت ملكية الكتاب أو النص وانتماءه لصاحبه ولجنس معين من أجناس الأدب أو الفن”.