مقالات متنوعة

هاشم كرار : الترابي.. ضعفه لن يستقوي به أحد!


الكواكب والأقمار ليست معنية بموت أحد ولا بحياته، ومسيرة الأيام والفصول لن تتوقف، والحياة السياسية في السودان، لن تدخل بيت الحبس، ومايعتمل في الصدور- من حب أو كراهية- لنظام البشير، لن يبارح الصدور، ولا أحد يدري- من الذين أحبوا دكتور الترابي أو كرهوه أو كفروه- مايجري له، في ذلك الشبر الضيّق من التراب، والذي هو مصير كل حي، وإن تجاوز عمر الترابي، وأصبح عميدا لسن البشرية.

الحساب، حسابان: حساب من رب الناس، وحساب من الناس للناس.. والذي هو لرب الناس، ما من أحد به عليم، والذي هو من الناس، فيه يختلفون.

الذين أحبوا الترابي، على فراقه لمحزونون.. والذين كرهوه كرجل سياسة، اختلفوا: منهم من رأى في تغييبه بالموت تنفيسا، فشمتوا- لكأنما الموت الذي تغشّاه لا يتغشّاهم.. ومنهم من ترحّم عليه، مستصحبا تعاليم دينية، ومنهم من استصحب إرث السودانيين وأدبياتهم في الاختلاف.. ذلك الذي لا يفسد قضية الوقوف إلى جانب الخصم، خاصة وهو في أضعف حالاته!

الرجل- الترابي- هو الآن، في أضعف حالاته، في ذلك الشبر الضيّق من التراب.

هو، كان قد سبق هذه الحالة، بحالة ضعف أخرى، حين كان الغاسلون يغسلونه، يقلبونه عاريا ذات اليمين وذات اليسار، ولا ثمة اعتراض منه، ولا اعتراض- بالطبع- من ميت في حضرة جبروت الموت!

هذا الضعف، الذي فيه الترابي الآن، لن يقوي سلطة البشير بأكثر مما استقوت به من دبابة وكلاشنكوف وزيارات في آخر الليل واعتقالات وزنازين وتعذيب، وتكميم للأفواه.. ولن يقوي المعارضة تلك التي نازلت النظام مرات في وقت كان الترابي فيه دماغ ذلك النظام ومرشده.. بل وكان الحاكم بأمره من تحت الطاولة، يفعل بخلق الله في السودان ما يشاء، ونازلته مرات حين أصبح الدماغ خارج اللعبة، ولا احد يدري بالضبط، ما إذا كان ذلك مفاصلة حقيقية، ام هو سيناريو، مثل سيناريو «ليلة الانقلاب ودعته وودعني.. هو إلى القصر وأنا إلى السجن» ومابين القوسين للترابي، بعد مفاصلته الشهيرة مع الرئيس البشير.

سيناريو «الوداع المزدوج» كان تُقية من الانقلابيين، حتى لا ينسب الانقلاب في ذلك الوقت للإسلاميين، إذا ماكان قد فشل!

الترابي، الذي ملأ دنيا السودانيين، وشغلهم بالانقلاب وتعقيداته ومضاعفاته وأبرزها انشطار السودان إلى دولتين، والذي كان قد شغل السودانيين قبل ذلك، في الستينيات، وخلال نظام نميري، وفي الديمقراطية الثالثة.. وشغلهم بفتاويه المثيرة إلى درجة التكفير، وشغلهم بمفاصلته الشهيرة، وتحالفاته مع المعارضين، سيظل يشغل السودانيين لوقت طويل: أنصاره الذين يرون فيه مجددا، وسياسيا بارعا، وأعداؤه من التكفيريين، وأعداؤه من معظم السودانيين الذين يرون فيه انقلابيا أدخل السودان في ماهو فيه الآن، من انشطار وحروب وانقسامات وأزمات اقتصادية وعزلة وفقر ومسغبة وفرار إلى أقاصي الدنيا!

الترابي.. هذا الذي ذهب مثقلا بما يراه فيه أنصاره، من فضائل.. ومايراه فيه أعداؤه من مساوئ، تمنى قبل مايزيد عن الأسبوع قبل الطعنة القلبية الثالثة والقاتلة، ان يرى السودان يعود موحدا، وينتصر السودانيون بالحوار.

هل كانت تلك، امنية تكفيرية من الرجل الذي لعب دورا، في كل مايعيشه السودان حاليا؟

مهما يكن.. على أنصاره إن كانوا وفيين، تنزيل تلك الأمنية إلى الأرض.. وفي ذلك أشرف مايمكن ان يقدموه للترابي، وهو في باطن الأرض.


تعليق واحد