الطيب مصطفى

بعد وفاة شيخ الترابي .. الكرة في مرماك سيدي الرئيس


أفضى شيخنا الترابي إلى ربه بعد أن قدم أنموذجاً لا يجارى ومثال يصعب تكراره في الصبر والتجرد ونكران الذات والتضحية بحظوظ النفس الأمارة.. توفي الشيخ الجليل بعد أن قال عبارته التي سارت بها الركبان : (أريد الاطمئنان على الوطن قبل أن يتوفاني الله).

أكثر الترابي الحديث ، خلال الأشهر الأخيرة ، عن دنو أجله وانقلب فجاة (180) درجة من خانة ألد الخصام للانقاذ وسدنتها إلى أقرب المقربين.

من يريد أن يستحضر درجة الانقلاب في موقف الترابي الحالي الذي ظل يتذرع خلال الأشهر الأخيرة بالصبر الجميل على كل خروقات العهود والمواثيق لخارطة الطريق واتفاق أديس أبابا وغيرهما عليه أن يتذكر مواقفه أيام المفاصلة والتي بذل خلالها الغالي والنفيس في سبيل إرجاع السلطة ، التي (اغتصبها) بانقلاب عسكري ، إلى الشعب بعد عشر سنوات من انقلابه والذي أقدم عليه اضطراراً لظروف موضوعية وظرفية معلومة رغم إيمانه المطلق بالديمقراطية والحريات ..في تلك الأيام – أيام المفاصلة – أصر الترابي على أن يذعن تلاميذه للعهد الذي قطعوه أمامه قسماً مغلظاً قبل انقلاب الإنقاذ.

سألت الترابي في تلك الأيام -أيام المفاصلة- في حضور الأخ أمين حسن عمر الذي صحبته معي لنناقش الشيخ : لماذا يا شيخ حسن تصر على أرجاع السلطة للشعب وإنفاذ الحريات والتعديلات الدستورية الآن بعد عشر سنوات من الانقلاب ؟لماذا لا تصبح (15) سنة أو أكثر أو أقل ؟هل هناك حديث أو آية قرآنية تلزمك بذلك الآن؟ هل تذكر يا شيخ حسن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم لعائشة (لولا أن أهلك حديثو عهد بالجاهلية لهدمت الكعبة وأقمتها على قواعد إبراهيم)؟أقسم بالله عندما بدأت سرد حديث عائشة أتمه الترابي بلسانه .. قلت له مواصلاً حديثي : يا شيخ حسن إذا كان الرسول الكريم لم يقم بيت الله الحرام حتى وفاته على قواعد إبراهيم خوفاً من الفتنة فلماذا لا تؤجل طلبك إجراء التعديلات الدستورية خوفاً من الفتنة؟ سكت شيخ حسن ولم يجب ومضى في إصراره كما مضى تلاميذه في عنادهم.

ما أدهشني مما ناقشت فيه شيخ حسن قبل أشهر قليلة إنه رفض التنازل بعد عشر سنوات من الإنقاذ بينما يسكت الآن بعد (26) من حكم الإنقاذ ويذعن لخرق المؤتمر الوطني عهد خارطة الطريق التي نصت على الحريات .. 26 عاماً تعرض خلالها وتلاميذه لمختلف صنوف البطش والتنكيل ورغم ذلك يصبر على التلكؤ والخرق والنكوص في انقلاب كبير على سلوكه في أيام المفاصلة.

أكتب الآن وعيناي مغروقتان بالدموع لأقول إنه تجرد عجيب لا يستطيعه غير شيخ حسن الترابي الخائف على السودان من مصير سوريا والعراق وليبيا، والأكثر خوفاً من أن يغادر هذه الدنيا وهو غير مطمئن على وطن بذل كل عمره سجناً واضطهادا في سبيل أن يصلح من شأنه ويمنحه أمناً وأماناً واستقراراً.

أخي أو قل ابن أختي الرئيس ..قبل يوم من وفاته كان شيخ حسن يتحدث في مسجد القوات المسلحة في حضورك عن العهود والمواثيق ولا أظنه موجهاً حديثه إلا لك ولغيرك من القيادات السياسية قبل أن يوجهها للتجار الذين قال إنهم أقل استمساكا بالعقود والعهود.

سيدي الرئيس أسألك بالله أن تطمئن الشيخ الذي خاض غمار إنشاء الإنقاذ وتحمل في سبيل ذلك كيد الكائدين ممن لا يزالون يحمّلونه وزرها ووزر استمرارها لأكثر من ربع قرن من الزمان.. طمئنه وهو في مرقده على الوطن من خلال المضي قدماً بهذا الحوار إلى مآلاته المرجوة التي من شأنها أن تنقذ البلاد من أخطار جمة تتهددها ..طمئنه بتقديم تنازلات تجمع شمل هذه البلاد وتحقق السلام والاستقرار والتوافق بين مكوناته جميعاً وتوقف نزيف الحرب والاقتتال ..طمئنه بأن تكون أباً لجميع السودانيين لا منحازاً لحزب يجردك دعمه وتفضيله على القوى الأخرى من فضيلة العدل تلك القيمة المطلقة التي أمر الله تعالى بها الحكام حتى لا يتحولون إلى طواغيت وجبابرة.


‫3 تعليقات

  1. عليه وعليك اللعنه الي يوم الدين
    من الذي ضيع الوطن ؟
    من الذي اتى بتمكين وتشريد الابرياء من وظائفهم ومصطلح الصالح العام ؟؟
    من الذي فصل جنوبنا العزيز ؟؟
    من الذي اشعلها في دارفور ؟؟
    هي إرادة الله ولاكن تمنيناها بغير ذلك
    عليه وعليك اللعنه الي يوم الدين

    1. ياطارق
      لقد قلت كلمة لو وزنت بجبل أحد لرجحت به. ليس المؤمن بطعان ولا لعان. الرجل الان اضعف مايكون بين يدي ربه يسأله عن مثقال الذرة من الاعمال ولا يحتاج لدعائك عليه فالله لا يُظلم لديه احد. تذكر انك ستكون بين يدي الله يوما وسوف تسأل كما يسأل الترابي الان، لهذا ياعبدالله طارق قل خيرا او فاصمت. اذكروا محاسن موتاكم.
      رحم الله حسن الترابي اللهم لاتفتنا بعده ولاتحرمنا أجره واغفر لنا اذا صرنا الي ماصار اليه.