تحقيقات وتقارير

يشارك ميدانياً في مناورات رعد الشمال المشير البشير.. “الجنرال” يتزيا بلامة الحرب


الفريق الفاتح المصباح: مشاركة المشير البشير في مناورات رعد الشمال تحمل دلالات عميقة
اللواء عبد الرحمن أرباب: إلى مشاركة البشير في المناورات تؤكد الوجود المؤثر لقواتنا المسلحة في المشهد العربي والإسلامي
د. الشامي: مشاركة السودان في المناورات تعني إيمانه بضرورة العمل العربي والإسلامي المشترك لتحقيق المصالح الإستراتيجية
في المؤتمر الثالث لحزب مؤتمر البجا حضر رئيس الجمهورية المشير عمر حسن أحمد البشير ببزته العسكرية، وكان هذا الظهور غير المألوف للجنرال في فعالية سياسية مدنية مثار حديث هامس بين من كانوا داخل القاعة، وهذا ما فطن إليه البشير سريعاً حينما أشار إلى أن حضوره بالزي الرسمي، يعود إلى أن ذلك اليوم هو المقرر لإدارة عمله من داخل القيادة العامة، والدهشة التي ارتسمت على وجوه من كانوا بقاعة الصداقة قبل ثلاثة أعوام لن تكون حاضرة والقائد الأعلى للقوات المسلحة السودانية المشير عمر البشير يظهر في مدينة حفر الباطن بالمملكة السعودية وهو متدثر بلامة الحرب على غير عادته عند زيارته لدول الخليج التي تطأ قدماه أرضها، وهو يرتدي “الجلابية والعباية”، وذلك لأنه سيستعيد ذكرى المعارك الحربية وهو يشارك في ختام مناورات قوات رعد الشمال.
رعد “ردع الشمال”
قبل الخوض في تفاصيل مشاركة المشير البشير في المناورات الأضخم والأكبر في الشرق الأوسط، لابد من الإشارة الى أن مناورات قوات رعد الشمال التي استمرت لأسبوعين بأرض المملكة العربية السعودية شاركت فيها قوات عسكرية من 20 دولة هي كل من السعودية، مصر، تركيا، باكستان، ماليزيا، السودان، الإمارات، الكويت، البحرين، قطر، عمان، الأردن، تونس، المغرب، موريتانيا، جيبوتي، السنغال، تشاد، جزر القمر، وجزر المالديف، والهدف من المناورات إلتي أجرتها القوات الضخمة المشتركة رفع معدلات الكفاءة الفنية والقتالية، وتنفيذ مخطط التحميل والنقل الاستراتيجي للقوات من مناطق تمركزها إلى موانئ التحميل والوصول، بما يحقق النقاط والأهداف التدريبية المرجو الوصول إليها، وصولاً إلى أعلى معدلات الكفاءة والاستعداد القتالي لتنفيذ مهمات مشتركة بين قوات الدول المشاركة لمواجهة المخاطر والتحديات التي تستهدف أمن واستقرار المنطقة، وبدأت هذه القوات مناوراتها منذ السادس والعشرين من شهر فبراير الماضي بمدينة الملك خالد العسكرية بمنطقة حفر الباطن شمال شرق السعودية، وذلك بمشاركة عدة فروع عسكرية هي سلاح المدفعية، والدبابات، والمشاة، ومنظومات الدفاع الجوي، والقوات البحرية وشاركت فيها قوات ضخمة منها 20 ألف دبابة، 2540 طائرة مقاتلة، 460 طائرة مروحية، مئات السفن، 350 ألف جندي.
البشير يستعيد ذكري المعارك
الاستعراض العسكري الضخم الذي يشارك فيه المشير عمر البشير يأتي امتدادًا لمفاجآت الحلف العربي الإسلامي الذي تكون في مارس من العام الماضي وشارك بقوات رادعة في عاصفة الحزم باليمن، وقد تصدى لخطة توسعية حوثية شيعية تسندها من وراء حجب ايران، وسيكون المشير عمر البشير ثاني اثنين من رؤساء الدول التي تشارك قواتها في مناورات رعد الشمال الذي ينحدر من المؤسسة العسكرية بجانب الرئيس المصري المشير عبد الفتاح السيسي، إلا أن البشير يفوق الأخير خبرة وأقدمية في العمل العسكري، والجنرال الذي ظل يحكم البلاد منذ العام 1989 والمولود في العام 1944، بشمال السودان يعتبر مقاتلاً من الدرجة الأولى حيث شارك في العديد من المعارك العسكرية الشرسة بجنوب السودان قبل انفصاله في 2011، وذلك عقب تخرجه من الكلية الحربية في العام 1967 ضمن الدفعة الثامنة عشرة، وبخلاف خبراته الميدانية التي تربو على الأربعين عاماً فإنه علي قدر عالٍ من التأهيل الأكاديمي العسكري، فهو الحاصل على ماجستير العلوم العسكرية بكلية القادة والأركان في العام 1981، وماجستير آخر في العلوم العسكرية عام 1983 بماليزيا، وحصل على زمالة أكاديمية السودان للعلوم الإدارية عام 1987، وقد عمل في عدد من الوحدات العسكرية بمختلف أنحاء البلاد أبرزها القيادة الغربية، القوات المحمولة جواً، وقائداً للواء الثامن مشاه مستقل الذي توجه منه في الثلاثين من يونيو عام 1989 واستولى على السلطة عبر انقلاب عسكري وكان وقتها في رتبة العميد، وأشارت مصادر عسكرية إلى أن البشير شارك ضمن القوات السودانية التي رابطت بعد الحرب المصرية الإسرائيلية جنوب مدينة السويس بقيادة العميد الراحل عز الدين علي مالك، والذي كان نائبه العقيد في ذلك الوقت عز الدين عبد المجيد. والبشير بحسب مصادر لم يبتعد عن أجواء المعارك العسكرية، وتؤكد أنه كان رئيساً لغرفة عمليات الكثير من المعارك التي دارت خلال السنوات الماضية بين القوات المسلحة والحركات المسلحة وقوات الحركة الشعبية أبرزها إدارته لعمليات إعادة هجليج وأبوكرشولا إلى سيطرة القوات النظامية.
عاصفة حزم تدريبية
وحول مناورات رعد الشمال يشير عدد من الخبراء العسكريين العرب الى أنها “عاصفة حزم تدريبية”، وأنها استمرار لنهج “الأخذ بزمام المبادرة” بدلاً من الانتظار، وفي هذا فقد تفاجأت الدول الغربية بقرار تنفيذها تماشياً مع مزاج عملية “عاصفة الحزم” التي أعلن عنها في 26 مارس 2015، وبحسب الخبراء العرب فإنها لم تأت كنتيجة لاستشارات أو لإيحاءات من الغرب، ويؤكدون أن المراقب الغربي تفاجأ بقدرة الدول الخليجية والعربية والإسلامية على تنفيذ مناورات هي الأكبر في تاريخ المنطقة، والتي لم تشهد مثلها من قبل وتفوقت خلالها على مناورات النجم الساطع التي لم تتجاوز عدد الدول التي شاركت فيها الاثنتي عشرة دولة.
وفي مناورات “رعد الشمال” تمت تجربة بعض الذخائر وبعض الأسلحة التي صنعت من قبل دول عربية وإسلامية، وهي مناورات مشتركة تشمل الأسلحة الجوية والبحرية والبرية والدفاع الجوي.
تقاطعات سياسية
وتأتي مناورات “رعد الشمال” بحسب محللين سياسيين كرد على المناورات الإيرانية التي تنفذها طهران دورياً بهدف رسم صورة واضحة لا لبس فيها وفحواها أن هناك تشكلاً لدور خليجي إسلامي إقليمي متزايد، يتجاوز القوة الناعمة الاقتصادية والدبلوماسية إلى القوة الصلبة ممثلة في القوة العسكرية والهياكل التي تتشكل في المنطقة ومحورها العاصمة السعودية الرياض، سواء في البعد العربي أو البعد الإسلامي أو البعد الدولي، حيث تمت ترجمة ذلك على أرض الواقع بإعلان إرسال طائرات حربية سعودية إلى قاعدة إنجرليك في تركيا، لاستهداف تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في سوريا، والاستعداد للمشاركة بقوات برية على الأرض للغرض نفسه، وتعد مناورات “رعد الشمال” بمثابة رسالة مفادها أن المشاركين فيها يقفون متحدين، للحفاظ على الأمن الخليجي والعربي والإسلامي، كما تهدف هذه المناورات إلى التدريب على مواجهة التنظيمات الإرهابية والمتطرفة التي قد تندفع أو تدفع قسراً جنوباً جراء التضييق على عناصرها، كما أنها رسالة إلى عدم الموافقة على التقدم الذي تحققه قوات نظام الأسد مدعومة بالتدخل الروسي والإيراني، ومشاركة السودان في عاصفة الحزم ثم رعد الشمال وبحسب الكثيرين فإنها خطوة موفقة لأنها جاءت في توقيت مفصلي نجحت عبره الحكومة في إعادة علاقتها مع الخليج واستعادة السودان لدوره الاقليمي المؤثر، ويرون أن مكاسب المشاركة تفوق خسائرها التي تتلخص في فقدان الحليف الاستراتيجي المتمثل في إيران الذي اختار السودان إدارة ظهره له والاتجاه نحو الخليج حيث المحور السني.
مشاركة مهمة
ويقول الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة، أحمد الخليفة الشامي إن مشاركة السودان في مناورات رعد الشمال تعني إيمان السودان بضرورة وأهمية العمل العربي والإسلامي المشترك من أجل تحقيق المصالح الاستراتيجية في المنطقة وتعزيز الأمن والاستقرار، بجانب تأكيدها على أهمية وحيوية الدور الذي ينتظر من السودان وقواته المسلحة أن يلعبه في ظل التطورات المتسارعة والأحداث المتلاحقة التي تشهدها المنطقة العربية والإسلامي، وأكد الشامي أن السودان شارك بكتيبة مدربة تدريباً عالياً لتنفيذ العمليات الخاصة، وكانت القوات المسلحة قد أكدت مشاركة المشير عمر البشير رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وعوض بن عوف وزير الدفاع، وعماد عدوي رئيس هيئة الأركان المشتركة في ختام فعاليات مناورات (رعد الشمال) في منطقة حفر الباطن بالمملكة العربية السعودية، استجابة لدعوة من الملك سلمان بن عبد العزيز خادم الحرمين الشريفين، ونوهت إلى أن التمرين سيستمر ليومين.
دور طليعي
ينظر خبراء عسكريون سودانيون الى مشاركة المشير البشير في ختام مناورات قوات رعد الشمال التي تشارك فيها قوات سودانية من عدة زوايا حيث يعتبرونها ذات اهمية قصوى في هذه المرحلة الحساسة التي تمر بها المنطقة العربية والاسلامية، منبهين الى أن السودان ظل ومنذ عقود مضت مؤثراً ولاعباً أساسياً في التحالفات العسكرية العربية وأن مشاركات قواته المسلحة دائماً ما ظلت تحظى بالإشادة من القادة العسكريين في الدول العربية وذلك لمهنيتها العالية وروحها القتالية، مؤكدين على ان ظهور البشير ببزته العسكرية في السعودية حدث كبير يحمل دلالات سياسية ايضاً تؤكد ان السودان يقف مع هذا التحالف بكل قوته العسكرية والسياسية وأنه لن يغرد بعيداً عن سرب الإجماع العربي الإسلامي، وهنا يشير اللواء عبد الرحمن أرباب الى دلالات مشاركة المشير البشير في ختام مناورات قوات رعد الشمال، مؤكداً أنها بمثابة التعبير الواضح والصريح الذي لبس فيه أو غموض حول موقف السودان من التحالف العربي الإسلامي، وقال لـ(الصيحة) ان مشاركة البشير تتخطى الرمزية العسكرية والسياسية وتؤكد الوجود المؤثر للقوات المسلحة السودانية في المشهد العربي والإسلامي، لافتاً الى أن مشاركة البشير من شأنها رفع الروح المعنوية للقوات المشتركة عامة والسودانية على وجه الخصوص، مؤكدًا على ان السودان احتل موقعه الطبيعي في طليعة الدول العربية.
تبادل الخبرات
أما الفريق ركن الفاتح الجيلي المصباح فقد أشار في حديث لـ(الصيحة) إلى أن لمشاركة المشير البشير الكثير من الدلالات التي وصفها بالعميقة، وقال إن منها الاهتمام بالعرض والتجمع العربي الإسلامي الكبير، ولفت الى أن القوات السودانية المسلحة ومن خلال العرض ستؤكد قدرتها القتالية الرفيعة، ورأى انه وبخلاف الدلالات العسكرية التي تتمخض من مشاركة البشير فإن مرامي وأهداف أخرى يدركها تواجد المشير في المحفل الكبير أبرزها تأكيد السودان والتزامه وثباته على موقفه حيال التحالف العربي الاسلامي، معتبراً أن مشاركة القوات المسلحة في مثل هذه التدريبات أمر طبيعي يحدث بين مختلف قوات الدول وأن الهدف منه تبادل الخبرات ورفع القدرات القتالية.

الصيحة