ضياء الدين بلال

ملاحظات من سرادق العزاء


(1)
في الجانب الغربي من منصة تأبين الشيخ حسن الترابي، سألت الصديقين العزيزين خالد عبد العزيز مدير مكتب رويترز، وعبد المنعم ابو إدريس مراسل وكالة الأنباء الفرنسية، عن تقديرهما لعدد الحضور من الرجال والنساء في اليوم الأخير للعزاء.
خالد وعبدالمنعم، من انشط مراسلي وكالات الأنباء العالمية تجدهما في كل مكان به حدث مهم أو خبر جديد، وقد تم تدريبهما تدريباً رفيعاً علي الأعمال الصحفية الخاصة بالتغطيات.
ومن ضمن جوانب التدريب كيفية تقدير أعداد المشاركين في التجمعات الجماهيرية في مختلف المناسبات، مظاهرات أو ندوات ومراسم تشييع. الصحفيان اتفقا علي ان العدد يقارب العشرة الآف، وشرحا لي طريقتهما الحسابية في التقدير والوصول للرقم.
ولأنني ضعيف في الحساب، لم أجد مداخل لمناقشتهما عن صحة التقدير او خطئه.
علي كل حال..
بالنسبة لي، فتأبين الشيخ الترابي مساء الاثنين، من قبل مغيب الشمس الي مشارف الصباح، يعتبر أكبر مناسبة خطابية، كنت ضمن حضورها في السنوات الأخيرة.
(السنوات الاخيرة) استدراك ضروري. ربما الذاكرة لم تُعني علي تذكر تجمعات مماثلة أو متجاوزة.
(2)
ثمة أمر آخر لفت إنتباهي منذ أول يوم من أيام العزاء وحتي ليلة التأبين:
يندر في السنوات الأخيرة، ان تجد تجمعات سودانية تضم كل الطيف الاجتماعي والإثني في مكان واحد.
جاءوا الي العزاء من دارفور الكبري، وكردفان المتسعة، وحتي من جنوب السودان. وجدت ضمن الحضور أمام مسجد جوبا الشاب(عبد اللة كوال) ومعة مجموعة من المعزين.
كل متابع للأنشطة الاجتماعية والسياسية، يلحظ حالة الانقسام والتمايز بين مكونات الشعب السوداني، مع تنامي التطرف الإثني والصراع القبلي والتباعد الجهوي والميل للانغلاق علي الذات.
ربما طبيعة النظام الفيدرالي وتصاعد خطابات المركز والهامش هي التي عمقت هذه الانقسامات .
لماذا ربما، بل بكل تأكيد.
علينا قول ذلك مع كامل الحزن والاسي: لم يبقي من روافع البناء الوطني خارج المؤسسات النظامية سوي فريقي المريخ والهلال، واخيراً صوت الفنان الراحل محمود عبد العزيز، وقد تكون ندى القلعة!.
(3)
أسواء ما في مفاصلة الاسلاميين في أواخر القرن الماضي، أنها أجهضت مشروع حركة حديثة، أصبحت ذات مشروع جماهيري، كانت تضم كل ابناء السودان، بمختلف إنتماءاتهم القبلية والجهوية، وتناسوا جميعهم انتماءاتهم الأولية لمصلحة فكرة جامعة.
منفستو الانقسام الذي عبر عنة (الكتاب الأسود) قسم الحركة الإسلامية لقسمين كبيرين:المؤنمر الوطني غلب عليه المُكوِن النيلي والوسطي؛ والمؤتمر الشعبي، ارتكز قاعدياً على أبناء غرب السودان.
سيسجل التاريخ أن حرب دارفور اشتعلت في المساحة الفاصلة بين المنشية والقصر، قبل أن تصل نيرها الطينة وكرنوي.
(4)
كثيرون في القوي السياسية، يرون في توحيد الاسلاميين مشروعاً حزبياً خاصاً، ولكن واقع االحال يقول إن توحيد الاسلامييين بقسميهم:الوطني والشعبي، سيسهم في التئام كثير من الجراح الوطنية الغائرة.
حتي لاتمضي دارفور في اتجاه مصير جنوب السودان، لابد من تشجيع تكوينات سياسية، ذات أوعية واسعة، يلتقي علي الولاء لها طيف متنوع من السودان العريض.
لابد من الاستفادة من تجارب الماضي، حتي لانصل لذات النتائج الخاسرة.
السلاح وحدة، لن يقضي علي هذه الحركات العسكرية المناطقية، التي قد تضعف اليوم ثم تعود غداً أكثر شراسة ومقدرة على إلحاق الأذى مثل ما حدث للجيش الشعبي بعد صيف العبور.
الانتصارات العسكرية إذا لم يؤسس لها نجاح سياسي سرعان ما تتحول لهزائم قاسية.
(5)
توسيع الأوعية السياسية عبر تنظيمات تضم عضوية متنوعة من كل أنحاء السودان، سيضيق مساحة الحركة للمجموعات المسلحة، وسيغلق أمامها منافذ الابتزاز بأجندة التهميش.
إذا توسعت أوعية الاحزاب، مع زيادة مساحة الحريات، فلن يصبح أمام هولاء سوى العودة الي تنظيماتهم:
عبد الواحد محمد نور إلي الحزب الشيوعي، ومني اركو مناوي لحزب الأمة، وجبريل إبراهبم للحركة الاسلامية، ومالك عقار للحزب الاتحادي.

-أخيراً-
استمعت في ليلة التأبين لكلمة الدكتور علي الحاج.. خمسة عشر عاماً مرت على غياب الرجل عن المنابر.
قبل مغادرتة السودان بأيام، كنت معة بمباني المؤتمر الشعبي المركز العام.كان في أشد حالات الغضب والغيظ، وأمس عاد علي غير ما ذهب، خالياً من المرارات والغبائن رغم خيوط الحزن.
قالها:تركنا الماضي خلفنا وعلى الجميع تجاوز الفتن.


‫2 تعليقات

  1. قبل البكاء على الحركة الاسلامية علينا البكاء على الحزبيين الكبيرين الأمة والاتحادي الذين قتلتهما الحركة الاسلامية وكانا أكبر وعائين للجميع الشعب السوداني دون جهويات أو عرقيات أو مناطقيات.
    وقتل الحزبين هو من أكبر أخطاء الترابي. رحمه الله وعفر له

    1. رغم انى والحمد لله ليس منتمى لما يسمى بالحركة الإسلامية هذه ولكن ما ذكرته يعتبر محمدة كبيرة ويعتبر إنجاز يضاف لها فقد اهلكت الطائفية والتعلق بأسرتين مقدستين كأن حواء السودان لم تنجب غيرهما ، واضاف إليها انها نهت الشيوعية فى السودان فلولا الكيزان هؤلاء لكن الشيوعية تسرح وتمرح كما كانت فى الأربعينيات والخمسينيات لدرجة انها وصلت لحكم البلد . الكيزان خبثاء وبرغماتيين ولكنهم انهوا الاحزاب التى اقعدت السودان وجاء جيل جديد لا يؤمن لا بنقد ولا اولاد المهدى ولا الميرغنى لانه لا يعرفهم .