مصطفى أبو العزائم

ثورة النساء!


السيدة الفضلى “أمينة جولبران أردوغان”، زوجة رئيس الجمهورية التركي السيد “رجب طيّب أردوغان”، أقامت الدنيا ولم تقعدها بعد في بلادها، بعد أن امتدحت “مؤسسة الحريم” خلال فترة الحكم العثماني، ووصفتها بأنها “مدرسة لإعداد النساء في الحياة”.. وانتقدت في ذات الوقت الصورة السالبة التي نقلها المستشرقون عن حريم السلطان إبان فترة حكم سلاطين آل عثمان.
ثورة النساء في تركيا بعد حديث السيدة “أمينة”، بدأت في الأسافير ومواقع التواصل الاجتماعي، رفضاً للتصريحات واحتجاجاً عليها، ثم حدث تفاعل مع عدد من المنظمات والتنظيمات لتطل تلك الثورة على الناس في الشوارع ويخرج (صوت المرأة) لينطلق إلى كل أذن تحمله موجات الاحتجاجات العالية، وقالت النساء المحتجات الثائرات، إن دروس الفن والأدب التي كانت تتلقاها “الحريم” لم تكن بهدف التوعية أو التثقيف، بقدر ما كانت لمتعة السلطان فقط.
النساء الثائرات استشهدن بأن السلطان العثماني – آنذاك – كان يعيش في قصر “طوب قابي” بمدينة “إسطنبول”، وكان قصره يضم قسماً خاصاً بالنساء (الحريم) وهو ما يعرف بـ(الحرملك) تعيش فيه زوجات السلطان ونساء العائلة العثمانية، والمحظيات والسبايا، وفق قوانين وقواعد صارمة لاختيار المحظيات والخليلات وتعليمهن أصول العيش في (الحرملك).
المعارضة العلمانية التركية لعبت على هذا الوتر وكذلك المنظمات النسوية غير الإسلامية، ولعبت على وتر آخر أكثر حساسية، وهو تصريحات الرئيس التركي نفسه السيد “رجب طيّب أردوغان” في يوم المرأة العالمي الذي صادف الثامن من (مارس)، التي قال فيها إن على المرأة أن تكون أماً بالدرجة الأولى، وإنه يجب عليها أن تهتم أولاً بتنشئة الأطفال ليكونوا رصيداً للأمة.
ما قال به الرئيس التركي والسيدة حرمه أقام الدنيا ولم يقعدها في تركيا، ووجدتها المعارضة فرصة لهز أركان الحكم باستغلال (صوت المرأة) والثقل النسائي الكبير للخصم من رصيد السيد “أردوغان” وحزبه، في يوم تعتبره النساء يوم عيد لهن، يؤكد على ما جاء في ميثاق الأمم المتحدة – 1945 م – من اعتماد مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في أول اتفاقية دولية.
ثورة النساء الأولى في الغرب كانت عام 1909م في الثامن والعشرين من (فبراير) بمدينة “نيويورك” الأمريكية عندما خرجت النساء احتجاجاً على ظروف العمل، وقد اعتمد الحزب الاشتراكي الأمريكي ذلك اليوم للاحتفال بالمرأة وتتالت بعد ذلك الأيام الساخنة والاحتجاجات القوية من (النص الحلو) للمجتمع إلى أن أعلنت الأمم المتحدة في عام 1977م عندما أصدرت قراراً دعت فيه دول العالم إلى اعتماد أي يوم من السنة تختاره عضويتها للاحتفال بالمرأة، فقررت الدول اختيار الثامن من (مارس)، ليصبح بعد ذلك تاريخاً محفوراً في الذاكرة العالمية.
أول عهدي بالصحافة بداية ثمانينيات القرن الماضي، ملأت اللافتات القماشية شوارع “الخرطوم” واحتلت واجهات بعض المؤسسات قبيل اليوم الثامن من (مارس)، وفيها إشارات ليوم المرأة العالمي وتذكير به.. جئت لأستاذي وأستاذ الأجيال الراحل المقيم “محمد الخليفة طه الريفي” ونحن في صحيفة (الأيام) وقتها وقلت له: (حقو نعمل لينا شغل عن يوم المرأة العالمي).. ابتسم الصحفي العبقري وقال لي جملة واحدة: (الشعار يكون.. يوم المرأة العالمي.. انطلاقة كبرى) وشدد كثيراً على كلمة (انطلاقة).. فتراجعت عن الفكرة.