صلاح حبيب

ما بين صحافة مايو والإنقاذ (8)!!


نواصل الحديث عن صحافة مايو والإنقاذ، ففي صحافة مايو لم تتدخل الدولة إطلاقاً في عمل صحفها (الأيام) و(الصحافة)، ولم أر مسؤولاً قد اتصل ناقماً على حديث صدر بتلك الصحف خاصة الصحيفة التي كنت أعمل بها صحيفة (الأيام). ونذكر أن الدكتور “منصور خالد” وهو المسؤول بالدولة قد كتب عدة مقالات بصحيفة (الأيام) بعد أن طلب الدكتور “إسماعيل الحاج موسى” وهو وزير الإعلام أن يكتب مقالاته بالصحف الداخلية بدلاً من الصحف العربية. وقال لي الدكتور “إسماعيل الحاج موسى” إن وزير رئاسة الجمهورية الدكتور “بهاء الدين محمد إدريس” رحمة الله عليه قال للدكتور “إسماعيل” هل استأذن الرئيس “جعفر نميري” في سلسلة المقالات التي يكتبها دكتور “منصور خالد” فقال له أنا لا أستأذن أحداً بمعنى أن القرار بيد وزير الإعلام ولا أحد يتدخل في سلطاته، وهذا يعني أن رئيس تحرير (الأيام) الأستاذ “حسن ساتي” لم يتصل عليه الدكتور “بهاء” ليوبخه على المقالات التي صدرت بصحيفته. وأذكر أن مدير مشروع الجزيرة كان قد تجنى على الزميل “فيصل” وما كان من الأستاذ “حسن ساتي” إلا أن تصدى إليه بعنف حتى تمت إقالته، وكذلك حاول مدير التلفزيون “محمد طاهر” أن يدخل في صراع مع (الأيام) فتصدت له الصحيفة وكان مصيره الفصل، كذلك صحافة مايو كانت حرة ولا أحد يتدخل في شؤونها التحريرية، عكس صحافة الإنقاذ التي لا تحتمل النقد. وأذكر في إحدى صحفها كنا قد أجرينا حواراً مع الأستاذ الراحل “غازي سليمان” المحامي ووقتها الإنقاذ مازالت في قبضتها وكانت لا تحتمل أي نقد من أي شخص معارض لها، وفي ذلك عقد اجتماع خاص من كبار المسؤولين بالدولة لمناقشة الحوار، وطلب الأستاذ الراحل “يس عمر الإمام” معرفة الأسباب التي أدت إلى إجراء الحوار مع “غازي سليمان”، ولكن مدير التحرير وقتها الأستاذ السفير حالياً “سليمان عبد التواب” كان قوياً وشجاعاً فتحمل مسؤولية التنسيق ووضع محاور الحوار، بينما قال أحد العاملين في الجهاز لمن أجرى الحوار أن يعمل حسابه، بمعنى ينبغي إلا يقدم على إجراء مثل تلك الحوارات وحوار آخر كان قد أجري مع الإمام “الصادق المهدي” وكان حواراً فيه كثير من النقد للحكومة، ورغم أنه لم ينشر بالداخل ولكن رصد وجرت متابعة من أجراه. وكذلك حوار مع الدكتور “عصام أحمد البشير” ووقتها كان في قمة معارضته للنظام.
إن صحافة مايو ربما تكون هناك خطوط خفية لم يتجرأ أحد أن يقتحمها ولكن حقيقة لم يتعرض الصحفيون للمساءلة فيما يكتبون وربما في السنين الأولى لها مما دفع بعدد كبير منهم هجرها والالتحاق بالمؤسسات الصحفية العربية التي مازال أولئك يعملون بها أمثال “الطيب شبشة” بالمملكة العربية السعودية، و”بابكر عيسى” بالراية القطرية، وعدد آخر مازال يمارس المهنة بالصحف العربية، لذا فإن صحافة مايو كانت أكثر استقراراً إلى أن جاءت الانتفاضة بينما ظلت صحافة الإنقاذ في حالة تقلبات وتصفية ودمج وإعادة إصدارها بطرق مختلفة.