مقالات متنوعة

احمد يوسف التاي : هؤلاء سبب بلاوي السودان “1-3”


كلما أمعن النظر في الأزمة السودانية، أجد أن أصلها ومنبعها هو سلوك السياسيين وتصرفاتهم، وأطماعهم وصراعاتهم، ومؤامراتهم على بعضهم البعض، ودسائسهم فيما بينهم وممارساتهم المختلفة التي لا تليق بمن يفترض فيهم التجرد ونكران الذات والترفع عن الصغائر.
أقول ذلك وقد أحصيت وتمعنت وأدركت تماماً أن أبواب الشر في أغلب الأحيان -إن لم نقل في كل الأحيان – تفتح من تلقاء السياسة، وحصاد ألسنة السياسيين وأفعالهم، وردة أفعالهم تجاه بعضهم.
أكبر مصيبة ضربت السودان بعد الاستقلال هي الخلافات والصراعات والفجور في الخصومة السياسية والتي نتج عنها الانقسام والتشتت والتمزق والتشاكس، و”المعاندة” ولو أنا أردنا الحديث فقط عن المشاريع التي فشلت والفرص التي ضاعت بسبب التشاكس والمعاندة بين الحزبين الكبيرين فقط، لما اتسعت هذه المساحة لذكر “الفضائح” والتصرفات الصبيانية، لكن خلوها مستورة، خاصة وأن الدكتور علي الحاج الآن بين ظهرانينا، المهم نتيجة لذلك اختلف قادة القوى السياسية، فاختلفت قلوبهم وذهبت ريحهم وانكسر “عضم” السودان، واشتعلت الحرائق والتهمت الأطراف.
في العهد الوطني الأول، اختلف السيد علي الميرغني مع الشريف يوسف الهندي لأسباب تافهة جداً، واختلف الأول مع الأزهري لأسباب أتفه من أن تذكر، مهلاً دعوني أسرد قليلاً جداً مما هو ثابت ولا مجال فيه للشك والمغالطات:
أورد وزير الإسكان الأسبق الخليفة عمر حضرة في مذكراته التي وثقها الكاتب الصحافي المخضرم حسن عبد الحميد بصحيفة “الصيحة ” العام الماضي وهو – أي حضرة- أحد أقطاب الساحة الاتحادية وأعلامها، قال في شهادته للتأريخ ” إن وزراء الختمية في حكومة الأزهري كلهم تقدموا باستقالاتهم، وشقوا الحزب لمجرد أن امتدح الأزهري الشريف حسين الهندي، ويقول حضرة في هذا الصدد (أسباب الانشقاق الأول هو حفل تكريم أقامته أسرة ومريدو الشريف يوسف الهندي للزعيم الأزهري بقرية العقدة، وتحدث فيه الشريف حسين الهندي نيابة عن الأسرة، وتحدث الزعيم الأزهري شاكراً لهم هذا التكريم، وذكر الرئيس الأزهري عند تكريمه أن المجاهد الأول هو الشريف يوسف الهندي، والأزهري لم يكن يقصد الإساءة أو التقليل من شأن السيد علي الميرغني، ولكن ذلك أدى إلى استقالة وزراء الختمية خلف الله خالد، وميرغني حمزة، وأحمد علي جلي، وغيرهم …)..انتهى حديث شاهد العصر “حضرة”، والمحصول النهائي لبذرة الخلاف هذه، وذات الأسباب التافهة والانتصار للذات هو تقسيم ذلك الحزب العملاق ذي القوة الضاربة شذر مذر، إلى أن أصبح الآن مسخاً مشوهاً “ستمية حتة”.
ثم انظروا إلى أسباب الخلافات والصراع بين الإمام الهادي المهدي، وابن أخيه الصادق، وبين الأخير، وعمه الإمام أحمد المهدي على الزعامة، ستجدون أن الأسباب أحقر من أن تكون سبباً لتشتيت وتمزيق “الأمة ” وإشعال نار الخصومة داخل بيت المهدي الذي يعتبره أهله أنه الأقدر على قيادة البلد، والمحصول النهائي لبذرة الخلاف تلك هو تقزيم أكبر أحزاب السودان جماهيرية وثقلاً سياسياً.
ثم انظروا إلى طبيعة الخلافات والصراع حول السلطة والجاه داخل حزب الجبهة الإسلامية القومية بزعامة الراحل الدكتور حسن الترابي بمسمياته المختلفة (جبهة الميثاق الإسلامي، الإخوان المسلمين ،الجبهة الاسلامية، المؤتمر الوطني، المؤتمر الشعبي)، انظروا إلى طبيعة الصراع بين الترابي والبشير، وبين الشيخ وتلاميذه، ثم انظروا إلى نتائج ذلك الخلاف، وخذوا من هذه الثمرات المرة فقط أزمة دارفور التي ربما تحرق كل الوطن إذا لم تفلح الجهود في إطفاء حرائقها المستعرة.. اللهم هذا قسمي فيما أملك.
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين.