مقالات متنوعة

طه النعمان : «ود أب زهانة» في قاعة الصداقة!


٭ خبر صغير نشرته «السوداني» في أخيرتها بباب «الشبكة» المخصص للمنوعات الخفيفة والشوارد اللافتة، يوم الأربعاء الماضي «1/ مارس/ 2016م» تحت عنوان: (35) مليون دولار لصيانة القاعة.
٭ لم أصدق العنوان فذهبت إلى التفاصيل، وأعتقدت أن هناك خطأ ما، لكني وجدت فحوى الخبر هو ما عبر عنه العنوان.. وهذه المرة لم أصدق عينيّ فراجعت الخبر مرة واثنتين فارتد إليّ البصر خاسئاً وهو حسير.. دعونا نقرأ الخبر سوياً قبل التعليق عليه والمثال التاريخي لهكذا سلوك في ذاكرة السودان الاجتماعية.
٭ يقول الخبر نصاً: تنقلات وترقيات وتعيينات واسعة تشهدها قاعة الصداقة هذين اليومين، في أوساط العاملين والموظفين وعمليات إحلال وإبدال واسعة في رؤساء الأقسام، وذلك لمزيد من تجويد الأداء في القاعة.. إلى هنا كل شيء عادي يمكن أن يحدث في أرقى الدوائر والمؤسسات.. لكن «الغريق قدام».. فالخبر يضيف: في القاعة التي تبدأ «أعمال تأهيل» بتكلفة تبلغ حوالي (35) مليون دولار.. نعم خمسة وثلاثون مليون دولار.. هذا غير الإعفاءات الجمركية والضرائب.. ويتوقع انتهاء المشروع في العام (2017).. انتهى الخبر.
٭ ما أخرجني، حقيقة، من دهشتي.. أو بالأحرى «محنتي» بتعبير أهل السودان.. هو الخاطر الذي حملني قروناً إلى الوراء فاستحضرت شخصية «ود أبزهانة» أوان السلطنة الزرقاء التي أنجز عنها تحقيقاً استقصائياً الباحث الراحل الكبير الطيّب محمد الطيّب رحمه الله في كتابه عن الشيخ (فرح ود تكتوك حلاّل المشبوك) ضمن أعماله الكاملة.
٭ فقصة الـ(35) مليون دولار التي خصصتها الحكومة أو ربما استندانتها لصيانة وتأهيل «قاعة الصداقة» التي بناها «الصينيون على أيام ماوتسي تونج» هدية لشعب السودان الذي «جاب حقهم» وانتقم من الجنرال الذي أذاقهم الأمرّين «غردون باشا».. تشبه إلى حد التطابق حكاية المنسدح ود حمد المنسدح أو (ود ابزهانة) الذي اشتهر بهذا الاسم.. لأن أباه حمد كانت له ابنة تدعى (زهانة).
٭ باختصار ود ابزهانة هذا كان أبوه حمد من أغنى الرجال في مملكة سنار، لكنه شب في حِجْر جدته الثرية هي الأخرى، فأثرت في سلوكه في مقبل الأيام.. كانت تحبه فحرصت على إبقائه تحت عينها، فكان خلافاً لأقرانه تأتي له بفكي الخلوة في بيتها، فتعلم قليلاً و«تدلع» كثيراً.. وشاءت الأقدار أن يرحل أبوه ويترك لوحيده المنسدح أرضاً واسعة ومالاً من الماشية.. غنم وبقر وجمال تسد عين الشمس، ثم ترحل جدته وتترك له هي الأخرى المزيد من الثروة.. فعاش مفاخراً ومزواجاً ومتلافاً.. فغرته الدنيا، ونفوره عن السعي والعمل حتى أفلس.. ومع ذلك ظل على نهجه القديم.. فلم يرعوِ، فغرق في الديون.. ومما ينسب إليه في ثقافة السودانيين اليوم أمثال خائبة كقوله «الدين في الكتوف والأصل معروف.. وأدّيّن وأتبيّن.. كان كترت الهموم أدمدم ونوم.. ربنا عايش الدودة بين حجرين.. ربنا ما شق حنكاً ضيعو.. وكان تجري جري الوحوش غير رزقك ما بتحوش».
٭ وقد تصدى الشيخ فرح رحمه الله لكل هذه الترهات والثقافة السلبية، بحكمه المشهورة المحرضة على الجد والعمل من مثل «الإستراح راح.. الشِقا لِقا.. ومن كد وجد» مستفيداً من ثقافته الدينية الوارفة وذكائه المتقد وقدراته التعبيريية الخلاّقة.
٭ وبما أنه لم يصدر حتى الآن نفي رسمي لما نشرته السوداني عن المبلغ المرصود لصيانة وتأهيل القاعة.. فإننا في حضرة «ود ابزهانة» معاصر يسجل زيارة مفاجئة لقاعة الصداقة الصينية.. في وقت تقول فيه الأنباء إن روسيا اشترطت على السودان تسديد ديونه البالغة (16) مليون دولار أو على الأقل تقسيطها لاستئناف التعاون.. (16) وليس (35) مليون دولار.. عجبي!