مقالات متنوعة

مؤمن الغالى : أشواق الإسلاميين (#)


أشواق الإسلاميين 1
والحديث عن الإخوان المسلمين.. طويل وعميق وعريض.. لهم لغتهم الخاصة ومفرداتهم وكأنها الماركات التجارية مسجلة باسمهم في قاعات الملكية الفكرية.. عندك مثالاً كلمة (أحسب).. ما نطق بها إلا وكان عضواً فاعلاً أو خاملاً من جماعة اللأحبة (الإخوان).. وما ختم أحدهم خطبته أو حديث إلا وكان الختام استغفر الله لي ولكم.. وما أسديت أحداً معروفاً إلا وقال لك (جعلها الله في ميزان حسناتك).. أما (الأشواق) فتلك كانت النغمة التي ما اجتمع نفر منهم إلا واحتشد الفضاء بـ(الأشواق).. والآن دعوني (أمسك) كما الأعمى المسكو عكاز في كلمة الأشواق.
لقد أطلق الأحبة (الإخوان) سراح هذه الكلمة بعد طول سجن بعد أن تحققت لهم (الأشواق) والتي كانت حصرية على إقامة دولة إسلامية في السودان.. ولكن وبعد أن مكنهم الله من كل مفاصل الدولة وتحققت (الأشواق) وهم يظنون أنهم قد حولوا (الأشواق) إلى واقع يمشي في الأرض بين الناس.. تراجعت وقتها (الأشواق) لمدى ست وعشرين سنة وتزيد.. وها هي (الأشواق) تنطلق هادرة هائجة هائلة وهي تغطي المنابر والمساجد والتجمعات والصحف والإذاعات.. باتت شأناً صغيراً بعد أن كانت أحلاماً شاهقة فاضمحلت وتقزمت حتى صارت (الاشواق) تعني فقط وحدة الإسلاميين (وطني وشعبي).. أصبحوا مثل (شمعة) الحبيب (ترباس).. تلك التي قال فيها شاعرها أزهري عوض الكريم:
بشوف كل حاجة في الدنيا
بتمشي مع الزمن تكبر
إلا الشمعة لما تدور
تفارق تكون أصغر
أرأيتم هذا البؤس وتلك الأماني والأحلام البائسة الصغيرة (حكمة والله وحكاية) أن تتراجع وتنهزم أشواق إقامة دولة إسلامية في وطن عظيم لتصبح مجرد (الأشواق) وحدة (الوطني والشعبي).
فليحلم (الإخوان) كما يشاءون ونحن بقية (المسلمين) لا شأن لنا إن توحدوا أو اختلفوا.. صحيح أننا في أول سنوات الإنقاذ وفي تلك الحقبة المفزعة والأيام المرعبة والعواصف الهائلة.. قد (رأينا نجوم الليل ظهراً).. وإننا.. بل إنني.. (أقول إنني) لأنني أتحمل مسؤولية ما أقول.. ولأنني قد كتبت عبر صحيفة صديقي الحبيب حسين خوجلي (ألوان).. كتبت.. بل نثرت ألواناً من الحروف وأمطاراً من الكلمات فرحاً وابتهاجاً وطرباً بالمفاصلة.. وأذكر جيداً أني قد كتبت في ذاك المقال.. فقرة لا زلت أذكرها وكانت تحديداً (كذب من قال إذا تصارعت الأفيال ماتت الحشائش.. فها هي الأفيال تتصارع.. وها نحن الحشائش نزداد نماءً ورواءً واخضراراً).. وقد ختمت المقال بشطر من أغنية وهو (إن شاء الله ما يتلم شتات). والآن وفي هذه الأيام تلوح في الفضاء (أشواق) وحدة (الوطني) و(الشعبي) ونفر من الناس يخافون من هذه الوحدة.. أما أنا فلا.. وغداً نبدأ.

أشواق الإسلاميين (2)
٭ ويكتب حبيبنا الراحل الخاتم عدلان في كتابه الرهيب.. يكتب «جاء الإسلاميون إلى الحكم بدعاوى كبيرة ووصفات خلابة.. زعموا أنهم لن يناموا إذا عثرت بغلة في طمبرة أو طويلة أو حلفا أو حلايب.. فماذا كان الحصاد..».
٭ وليتك بين ظهرانينا الآن يا حبيب.. لترى الحصاد.. وينزلق زورقنا في نهر الأشواق.. وفي دخان الانشقاق وأيضاً من دعاوى الأحبة الأسلاميين أن وحدتهم أكثر أهمية من الوطن نفسه.. وأن انشطارهم أشد خطراً وأجل خطورة من انشقاق الوطن ذاته.. ليسوا وحدهم يشاركهم في هذه «البدعة» إخوان لهم من الإخوة أو «الأخوان» من خارج الحدود.. وليس في الأمر عجب فقد نهل كل «أخوان» العالم من نبع واحد «وغرفوا» من مائه المتدفق بـ«كيزان» مصنوعة من مادة واحدة وإن كانت تختلف في السعة والأحجام.. كيف ذلك.. ارجعوا بذاكرتكم القهقري لتروا كيف انهمرت الدموع طوفاناً من مآقي «أخوان» العالم بكاءً مراً لانشقاق «الأخوان» الأول الذي كان تحت عنوان «القصر والمنشية»، وما زلنا نذكر الحزن الذي ارتسم ظاهراً واضحاً على قسمات وجه مولانا «القرضاوي» وما زلنا نذكر تلك الحسرة التي كادت تمزق فؤاد شيخنا «راشد الغنوشي» وتلك الزيارات وطائرات الأحبة الأخوان من مختلف بلاد الدنيا تهبط بمطار الوطن وفي جوفها نجوم لامعة من الأخوان الذين أفزعهم وأرعبهم انشقاق «أخوانهم» في السودان.. و «حكمة الله إنه لن يفزع أي من هؤلاء الأحباب عندما انشطر الوطن كله ولم يواسينا أحد منهم عندما ذهب إخوتنا الجنوبيون بأرضهم وأشجارهم وحيواناتهم ونفطهم.. وليس في الأمر عجب فالأخوان في كل الدنيا يعتقدون في ثقة لا يخلخلها شك ويقين لا يزعزعه ظن أن وحدة «الأخوان» مقدمة على وحدة الأوطان.
٭ الآن دعوني أطمئن كل خائف، كل مرعوب.. كل مشفق من وحدة «الوطني والشعبي».. نعم هناك من يظن أو يخشى على الوطن وعلى شعب الوطن وإذا توحد الأخوان أن تعود تلك الأيام المفزعة وتلك الليالي الحلوكة وتلك الغابة الشائكة التي أحاطت بالوطن عند انطلاق إعصار الإنقاذ.. وأود أن أطمئن ذاك الذي قال لرئيس تحرير صحيفتنا الأستاذ عبد العظيم صالح فقد قال الرجل أخشى إذا توحد «الأخوان» أن يعود مرة أخرى «الدفار» وتعود «الكشة» ودعوني أقول له وبأكبر الحروف بروزاً وبأسطع الكلمات إشعاعاً.. و «الأخوان» ما عادوا هم الأخوان.. والسودان ما عاد هو السودان.. وإن تلك المخازن التي أودع فيها «الأخوان» رايات وبيارق وأعلام أناشيدهم قد ضاعت مفاتيح طِبلها وإلى الأبد..
«وبكرة نواصل»…