الطيب مصطفى

بين الترابي والخميني!


في مقال رائع للكاتب الأردني الدكتور أحمد نوفل نعى فيه الشيخ الترابي قال إن الشيخ قال له إنه خلال لقاء له مع (الإمام) الخميني بعد الثورة الإيرانية لاحظ أن الخميني رغم إجادته للعربية حيث أمضى عقودًا من الزمان في النجف بالعراق كان حريصاً على الحديث باللغة الفارسية ورافضاً التحدث بالعربية.. قال الترابي إنه اقترح على الخميني كحل للنزاع حول الخليج، المتنازع على اسمه بين العرب وإيران، أن يسمى بالخليج (الإسلامي) بحيث تسقط صفة (العربي) المطلوبة من العرب وصفة (الفارسي) التي تصر عليها إيران باعتبار أن كلا الشعبين مسلمان فقال الترابي إن الخميني ما إن سمع هذا المقترح حتى انتفض غاضباً وقال (انتهت المقابلة)! بصورة جافة وغرور لا يليق بزعيم يفترض أنه عالم مع ضيوفه القادمين إليه من بعيد!
بالله عليكم ألا تلخص هذه القصة القصيرة حقيقة ما تنطوي عليه إيران التي أدعت زورًا وبهتاناً أنها تتبنى ثورة إسلامية وما هي بإسلامية إنما مجرد صرعة فارسية من قمة رأسها الى أخمص قدميها وأن الهوس الفارسي الذي تمطى بصلبه الآن وتمدد خارج حدود إيران وخرج إلى العلن متحدثاً عن أشواق الفرس لاستعادة أمجاد امبراطوريتهم القديمة ليس تحولاً جديدًا وانقلاباً أحدثه ملالي ايران اللاحقون حولوا به القبلة التي كانت إسلامية في بداية الثورة إلى وجهة فارسية.
هل من دليل على أن الثورة لم تكن من أول يوم نشأت فيه منذ قدوم والدها ومفجرها الأول الخميني لم تكن إلا حلقة في مسلسل الامبراطورية الفارسية وأن استراتيجية عودة الإمبراطورية الفارسية كانت هي الثابت الوحيد في إيران؟!
من رحمة الله بي أنني اكتشفت ذلك السر بنفسي منذ بداية التسعينات خلال أول زيارة لي لإيران لم أفد منها شيئاً غير معرفة تلك الحقيقة المرة، فقد كنت في زيارة لطهران في إطار دعوة من وكالة الأنباء الإيرانية (ارنا) لوكالة السودان للأنباء (سونا) التي كنت أديرها في تلك الأيام وكان معي كل من الأخوين المهندس عادل عتباني ومحمد أزرق سعيد، وكان من ضمن برنامج الزيارة المرور على مدينة أصفهان التاريخية التي صعدنا في قمة أحد جبالها وأرانا مرافقنا الملتحي الذي كان من حراس الثورة بعض معالم الحضارة الفارسية من نقوش وزخرفات رائعة بعضها كان محطماً فقال مرافقنا :
This was done by the Arabs , that is why I hate the Arabs
صعقت من هذه العبارة التي تقول إن تحطيم تلك النقوش (تم بواسطة العرب ولذلك فإنني أكره العرب)!
انفجرت في الرجل الذي ما ظن أن هؤلاء الأفارقة لهم صلة بالعرب فقلت له باستنكار: أتكره العرب الذين كانوا سبباً في اعتناقك الإسلام من أجل هذه التماثيل التي تعاملوا معها باعتبارها أصناماً لحداثة عهدهم بالإسلام وبغضهم للأصنام .. أيهما أهم بالنسبة لك .. هذه التماثيل المحطمة أم الإسلام ؟! فما كان منه ألا أن اعتذر لنا باعتبارنا ضيوفه!
إنها العبادة على حرف أو المنحرفة القائمة على عقيدة فاسدة وانتماءات ضالة فكم من عجل سامري نصبه الإنسان والناس إلهاً ينتقص من توحيدهم لله ومن بين تلك الأصنام التي يتخذها الناس أرباباً من دون الله القبيلة والحضارة والحزب بل والوالدين والأقرببن والأوطان وهل جاءت آيات التوبة الصادعة بوجوب إخلاص العقيدة لله وحده دون سواه إلا لإيضاح تلك الحقيقة ؟ (قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ).
العصبية لتلك الحضارة العريقة التي حفرت في نفوس الإيرانيين من خلال المناهج الدراسية وغيرها والتي صورت للإيرانيين أن رعاياهم القدامى من العرب البدو الأجلاف دمروا حضارتهم وأزالوا دولتهم هي التي أوغرت صدورهم ضد العرب حتى اليوم وشحنتهم ضد الفاروق عمر بن الخطاب الذي حطم ملك كسرى للدرجة التي جعلتهم يقيمون ضريحاً في مدينة أصفهان يزار حتى اليوم لقاتله المجوسي أبولؤلؤة ويطلقون على ذلك الكافر لقب (أبو شجاع)!
أقول هذا حتى يدرك المسلمون جميعاً حقيقة الدولة الفارسية التي تهدد هذه الأيام وبتواطؤ أمريكي وروسي وغربي الإسلام والتي تقوم على عقيدة فاسدة ملأى بالأباطيل والشركيات التي تمجد الحسين بأكثر مما تمجد أباه أو حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم.