مقالات متنوعة

احمد يوسف التاي : هؤلاء هم سبب بلاوي السودان “2-3”


خلصنا أمس إلى أن أصل ومنبع أزمات السودان السياسية والاقتصادية والأمنية هو تصرفات السياسيين وممارساتهم، وصراعاتهم، وأوردنا أمثلة لصراعات وخصومات أسبابها أقل ما توصف به أنها أسباب تافهة ولا تستحق أن يتعارك عليها تلاميذ بمدرسة أساس، وأخرى يتجلى فيها الانتصار للذات والانتقام للنفس، وأشرنا إلى أمثلة ذلك للصراع الذي حدث باكراً بين السيد علي الميرغني، والشريف حسين الهندي، وبين الأول والزعيم إسماعيل الأزهري، وبين الإمام الهادي المهدي وابن أخيه الصادق الصديق المهدي، وبين الأخير وعمه أحمد المهدي، وكذلك أشرنا إلى الصراع بين الدكتور حسن الترابي والرئيس البشير، وبين الأول وتلاميذه أمثال علي عثمان وغيره.
وإن كانت ثمة وقفة للتمحيص والتشخيص وابداء الملاحظات لاتجاهات الصراع ونتائجه، فيمكن الإشارة إلى جملة من الملاحظات على تلك الممارسات والتصرفات والأفعال وردتها، والسلوك السياسي للساسة الفاعلين في المسرح السياسي السوداني وذلك على النحو التالي:
أولاً: أخطر ممارسة وتصرف غير مسؤول نتجت عنه أكبر كارثة أمنية في البلاد كان تصرفا أتى به أهل السياسة ولم يأت به رجال الأمن، ولا رجال المؤسسة العسكرية، نعم اقول أخطر كارثة مازال الشعب السوداني يدفع ثمنها هي “تسليح” القبائل، وهو أكبر خطأ إستراتيجي وأمني اشتركت فيه القوى الفاعلة في المسرح السياسي السوداني، وظل ذلك “التصرف” غير المسؤول الذي يكشف عن غياب النظرة الإستراتيجية موضع إتهام للحزبين الكبيرين غير أن الشواهد الكثيرة والمعطيات الواضحة تحصر هذا التصرف في حزب الأمة القومي، الذي كان له السبق في هذا الميدان المتسخ، ثم جاء المؤتمر الوطني بأساطينه وجهابذته يهرع على آثار حزب الأمة مقلدا تارةً ومحدثا تارةً أخرى فأمعن في تسليح القبائل، والمواطنين.
ثانياً: جاء المؤتمر الوطني فجيش المواطنين ووضع السلاح تحت تصرفاتهم وبتبرير لا يشبه مبررات رجال الدولة، فانقلب الكثيرون ممن سلحتهم حكومة المؤتمر الوطني حرباً على الدولة بسلاحها وانتشر التمرد الذي مهدت له الحكومة وسياسيوها الطريق، وطبقاً لذلك اشتعلت الحرائق في دارفور، وانتقلت الأزمة من تفلت أمني بسبب نشاط قطاع الطرق وعمليات النهب المسلح والصراع على المراعي، إلى حركات تمرد على الدولة، ونزاع قبلي مرير حصد رجالات القبائل حصدا ثم تحولت إلى أزمة سياسية دولية تخطف أنظار العالم كله، وتحقق مبررات التدخل الدولي وفرض الوصاية على بلد ذي سيادة وكرامة وطنية، وما كان هذا ليحدث لولا سوء تصرف السياسيين، وضحالة تفكيرهم .
ثالثاً: انظروا إلى نتائج أزمة دارفور وحدها، وانظروا إلى حصاد التصرفات البلهاء والنظرة التي لم تتجاوز موضع القدمين أو قل “أرنبة الأنف”.. والنتيجة حريق شامل للمنطقة، وحصاد آلاف الأرواح البريئة، وتشريد الآلاف من المواطنين بين نزوح ولجوء، وصرف مليارات الدولارات في إشعال الحرائق، ومحاولات إطفائها، بالصرف بلا حساب من ميزانيات مفتوحة وبطريقة غير شفافة، وتعطيل مشاريع التنمية.
رابعاً: ثم انظروا إلى محاولات البحث عن السلام والخطل الكبير في منهجية التفاوض مع حركات مسلحة بعضها “وهمي” لا وجود له على الأرض وإنما هي أشخاص وعائلات وبيوت، أو لافتات فقط نجحت في ابتزاز الحكومة، وكانت النتيجة “سلام القطاعي” وتناسل الحركات، فكلما سمعت “حركة” بتهافت ساسة المؤتمر الوطني على “حركة” لا تأثير ولا وجود لها، نشأت أخرى مماثلة، وبذلك أصبح سلوك سياسيي المؤتمر الوطني هو المحفز الأول لتكاثر الحركات وتناسلها، حتى تأكد لنا تماماً أنها فعلاً “حركات” ساي، وما يقال عن التصرفات الخاطئة التي تسببت في كوارث أمنية بالبلاد، يمكن أن يقال عن التصرفات الخاطئة التي قادت إلى قطيعة دبلوماسية مع محيطنا العربي والإسلامي، وعزلة دولية عانى منها السودان وشعبه طويلاً، كان يمكن للساسة ورجال الدبلوماسية تفاديها، لو أنهم كانوا يعقلون.. اللهم هذا قسمي فيما أملك..
نبضة أخيرة :
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين.