احلام مستغانمي

معركة عاطفيّة صامتة !


كانت تفاضل بين جواب وآخر، عندما تنبّهت إلى أنّ جلستهما قد أصبحت فجأة معركة عاطفيّة صامتة، تُدار بأسلحة لغويّة منتقاة بعناية فائقة.
وإذا بالطاولة المربَّعة التي تفصلهما، تصبح رقعة شطرنج، اختار فيها كلّ واحد، لونه ومكانه. واضعًا أمامه جيشًا.. وأحصنة وقلاعًا من ألغام الصمت، استعدادًا للمنازلة.
أجابته بنيّة المباغتة:
– الحمد لله..
الأديان نفسها، التي تحثّنا على الصدق، تمنحنا تعابير فضفاضة بحيث يمكن أن نحمّلها أكثر من معنى. أوَليست اللغة أداة ارتياب؟
أضافت بزهو من يكتسح المربّع الأوّل:
– وأنت؟
ها هي تتقدّم نحوَ مساحة شكّه، وتجرّده من حصانه الأوّل. فهو لم يتعوّد أن يراها تضع الإيمان برنسًا لغويًّا على كتفيها.
ظلّت عيناها تتابعانه.
هل سيخلع معطفه أخيرًا، ويقول إنّه مشتاق إليها، وإنّه لم يحدث أن نسيها يومًا؟
أم تراه سيرفع ياقة ذلك المعطف، ويجيبها بجواب يزيدها بردًا؟
أيّ حجر شطرنج تراه سيلعب، هو الذي يبدو غارقًا في تفكير مفاجئ، وكأنّه يلعب قدره في كلمة؟
تذكّرت وهي تتأمّله، ما قاله كاسباروف، الرجل الذي هزم كلّ من جلس مقابلاً له أمام طاولة شطرنج.
قال: «إنّ النقلات التي نصنعها في أذهاننا أثناء اللعب، ثم نصرف النظر عنها، هي جزء من اللعبة، تمامًا كتلك التي ننجزها على الرقعة».
لذا تمنّت لو أنّها أدركت من صمته، بين أيّ جواب وجواب تراه يفاضل. فتلك الجمل التي يصرف القول عنها، هي جزء من جوابه.
غير أنّه أصلح من جلسته فقط، وأخذ الحجر الذي لم تتوقّعه، وقال دون أن يتوقّف عن التدخين.
– أنا مطابق لك.
ثم أضاف بعد شيء من الصمت.
– تمامًا..
هو لم يقل شيئًا عدا أنّه استعمل إحدى كلماته «القاطعة» بصيغة مختلفة هذه المرّة، فانقطع بينهما التحدّي.
وهي لم تفهم فعلاً.. لم تفهم كيف أنّ صمتًا بين كلمتين أحدث بها هذا الأثر، ولا كيف استطاع أن يسرّب إليها الرغبة دون جهد واضح، عدا جهد نظرة كسلى، تسلّقت ثوبها الأسود، مشعلة حيث مرّت فتيلة الشهوة.
بكلمة كانت يده تُعيد الذكرى إلى مكانها. وكأنّه، بقفا كلمة، دفع بكلّ ما كان أمامهما أرضًا. ونظّف الطاولة من كلّ تلك الخلافات الصغيرة التي باعدتهما.
هي تعرف أنّ الحبّ لا يتقن التفكير. والأخطر أنّه لا يملك ذاكرة. إنّه لا يستفيد من حماقاته السابقة، ولا من تلك الخيبات الصغيرة التي صنعت يومًا جرحه الكبير.
وبرغم ذلك، غفرت له كلّ شيء.
«قطعًا» كانت سعيدة بهزيمتها التي أصبح لها مذاق متأخّر للنصر.
سعادته «حتمًا» بنصر سريع، في نزال مرتجل، خاضه دون أن يخلع «تمامًا» معطفه!
***
” فوضى الحواس”