مصطفى أبو العزائم

“مصطفى عثمان”.. الوزير السفير


ما كشف عنه السيد وزير الخارجية البروفيسور “إبراهيم غندور” قبل أيام قليلة من أن الدكتور “مصطفى عثمان إسماعيل” سيذهب سفيراً للسودان في “جنيف”، أثار حراكاً واسعاً للسودان في أوساط النخب والعامة معاً، وفي الأوساط الدبلوماسية والصحفية بصورة أخص، وتساءل المتسائلون إن كان الرجل سيقبل أن يكون سفيراً ضمن طاقم دبلوماسي كبير يتوزع على سفارات السودان في أنحاء المعمورة، يتبعون لوزارة سيادية كان الدكتور “مصطفى عثمان” وزيراً لها، مسؤولاً عن تنفيذ سياسات الدولة الخارجية، ومتابعة أداء سفراء السودان، أي أنه كان رجل الدبلوماسية الأول في بلادنا، وقال قائلون كيف للرجل أن يقبل موقع الترس الصغير في آلة ضخمة كان هو الذي يتحكم في إدارتها ومسارها وأدائها.
قطعاً الدكتور “مصطفى عثمان إسماعيل” الذي تفرغ للسياسة تماماً، تاركاً مهنة (طب الأسنان) وأحلام المراكز المتخصصة، في سبيل العمل على تحقيق حلم آخر ومشروع سياسي كبير جمعه بآخرين، من بينهم زملاء دراسة وتخصص منهم وزير الخارجية الحالي الأستاذ الدكتور “إبراهيم غندور” الذي اجتذبه العمل العام، من داخل الغرف المعقمة، ومن مكاتب الإدارة في الجامعات التي حاول البعض أن يدفع به نحوها في مرحلة ما، لإبعاده تماماً عن دائرة الفعل السياسي.
الشاهد.. أن قرار تعيين الدكتور “مصطفى عثمان إسماعيل” سفيراً للسودان في “جنيف” تم اتخاذه بالفعل، وتم الإعلان عنه بصورة غير رسمية، ولكنه بات في حكم الواقع، وحتماً ستعول الحكومة كثيراً على الدكتور “مصطفى عثمان إسماعيل” الذي لن يكون سفيراً للسودان في “جنيف” السويسرية فحسب، بل سفيراً وممثلاً لبلاده في بعثة “الأمم المتحدة” هناك، وفي مجلس حقوق الإنسان الذي يكابد السودانيون كثيراً كل عام في سبيل (تبييض) سجلهم في مجال حقوق الإنسان.
أهم ما في قرار تعيين رجل الدبلوماسية القوي، وصاحب العلاقات العربية القوية والخاصة (سفيراً) لبلاده بعد أن كان (وزيراً) وقيادياً بارزاً في الحزب الحاكم، هو أنه – أي هذا التعيين – سيعمل على فك الارتباط غير المنطقي بين درجة المسؤول والموقع، إذ ليس هناك معنى مثلاً أن يظل القيادي الفاعل متقدماً في سلك الوظيفة الحكومية على الدوام، لأن هذا يعني (احتكار) المنصب والموقع، وحرمان المؤهلين وأصحاب الخبرة والجدارة من التقدم للمواقع التي هي بواقع الدستور حقاً عاماً لكل المستحقين من أصحاب الكفاءة والتأهيل والجدارة.
ثم إن انتقال الوزير إلى أي موقع آخر لا يعني أن درجته قد خفضت أو تم إقصاؤه، ففي العالم نماذج عديدة، وفي دول الجوار من حولنا أمثلة كثيرة، وقفت على إحداها، ودهشت قبل عدة أعوام ونحن على ضفاف (بحيرة تانا الأثيوبية) مع مجموعة من أهل السياسة والصحافة والعمل العام نتجاذب الحديث، فإذا بالسيد الفريق “عثمان السيد” يرحب ترحيباً حاراً بأحد القادمين، انتبهت بعد قليل إلى أنه القائد الأثيوبي الكبير، الأب الروحي لجبهة تحرير التقراي “سبحت نقا”، الذي تخلى عن القيادة للراحل “ميليس زيناوي” على أعتاب العاصمة الأثيوبية عندما أحكموا قبضتهم عليها، وأصبح الرجل بعدها رمزاً محترماً للثوار، يسير بلا حراسة، مبتعداً عن ميادين الصراع على السلطة، مقدماً درساً بليغاً لثوار أثيوبيا.. والعالم.
لاحقاً أصبح السيد “سيوم سفن” نائب رئيس الوزراء ووزير خارجية أثيوبيا، سفيراً لبلاده في “الصين”، وفي “مصر” أصبح الدكتور “محمد إبراهيم كامل” وزير الخارجية المستقيل احتجاجاً على زيارة الرئيس الراحل “أنور السادات” إلى “القدس”، أصبح سفيراً لبلاده بعد انتهاء عصر “السادات”.
النماذج من بينها وزير خارجية أستراليا “الكسندر داوند” السابق الذي أصبح سفيراً لبلاده في “بريطانيا”، وكذلك بعض نواب رؤساء الوزارات ووزراء أصبحوا سفراء، التجربة فريدة ومفيدة وعميقة الأثر، خاصة إذا كان يخوضها شخص في حجم ووزن الدكتور “مصطفى عثمان إسماعيل”.