تحقيقات وتقارير

الخرطوم.. لافتات وصور مكبرة يحُدق فيها المارة.. أسواق شعبية


لأكثر من ثلاثة أيام ظل يوسف عيدروس (بائع متجول) يقف أمام اللافتة الضخمة لصورة معتمد الخرطوم الجديد أحمد علي عثمان مدققا فيها غير مصدق أنه سلك نفس نهج سابقه عمر نمر، حيث نزع القادم الجديد لمنصب المعتمد صورة سابقه ووضع صورته مكبرة في نفس المكان.
يا ترى لم الإصرار الشديد لمعتمدي محلية الخرطوم دون بقية معتمدي محليات الولاية الأخرى، على تنصيب صورهم المكبرة وسط الأسواق الشعبية في ظاهرة أطلت برأسها خلال العامين الماضيين؟ إجابة واحدة من عشرات غيرها تدور في مخيلة يوسف عيدروس تؤكد أن هناك من يستفيد من وراء هذه الصناعة ليأخذ تكلفتها من خزينة المحلية. لكن في الحقيقة أن الجانب المادي ليس موضع الآراء أدناه، إنما المهم الموقع والمناسبة والغرض من وضع الثانية تلو الأولى، وما هي الرسالة التي يراد إيصالها عبرها؟

أمكنة التجمعات
من غير الموفق، محاولة الزج بأفكار غير واقعية على أرض شديدة الواقعية والوضوح، كالأسواق الشعبية مثلا، حيث يتجمع آلاف الناس يعرضون بضاعة يعد بعضها أقل جودة وتكلفة وبعضها الأخر فاقدًا للصلاحية بالمرة، فتُباع الأولى والثانية للطبقات غير المتطلعة للأجود وهي الأكثر في مجتمع الزمن الراهن.
الأفكار التي بين السطور أعلاه بحسب (مبارك عبدالله) عامل درداقة بموقف جاكسون وخريج جامعي، هي ليست الدعوة المكرورة المتمثلة في الرغبة المُلحة في تنظيم وتخطيط وسط الخرطوم إنما في بُعد الدعوة نفسها عن الواقع أكثر واختصارها في لافتة عريضة، تتبدل تبعا لمن يجلس على كرسي رئاسة محلية الخرطوم، ففي الوقت الذي كان فيه عنوان الأولى الدعوة للجمال وسط محيط من القبح والقذارة صنعه ذات العقل الذي يدعو للجمال، أكدت الثانية أن صاحب الصورة راعيا، وبالطبع (كل راعٍ مسؤول عن رعيته). التراجيديا التي تجمع بين صورة من غادر ومن أعقبه ليس في الهوس بـ (الأنا) العالية الواضحة بمحاولة الظهور بأعلى تكلفة، بل هي غض الطرف عن وضع إناء لجمع الزبالة التي تمد لسانها ساخرة من الصورة المنصوب فوقها!!
بدوره وصف أحمد عبدالمهيمن (طالب بجامعة النيلين) تبديل اللافتات بالفرية. وأضاف من المؤسف أن تهيئ المسرح لكافة أنواع التشويه وتدعي أنك تحاول صناعة الجمال بأدوات غير مناسبة، وتابع “من الاستحالة بمكان قبول العقل لادعاء أن ما تفعله محلية الخرطوم له علاقة بالتطوير والتجميل لوسط العاصمة، وإلا فلينظر المواطن إلى التنظيم والتجميل المزعوم بسذاجة الأطفال”.

عبارات جديدة
في عهد معتمدها السابق ونكاية في الحقيقة والمنطق والعقل، اختارت محلية الخرطوم موقعاً يجمع حوله شتى التناقضات لتنصب عليه إحدى لافتاتها المثيرة بشعارها (تطوير وتجميل وسط الخرطوم)، وهذا مدخل صغير لخط عريض يأتي بعده (مشروع اتيعاب الفريشة وصغار التجار). ليت الأمر انتهى هنا بل انسل منه دليل يوضح أن هذه الفوضى العارمة بإشراف المعتمد ورعاية الوالي. أما اللافتة التي حلت محل الأولى، فأعلنت أن الموضوع برمته برعاية المعتمد فحسب. مجمل حكاية اختيار الموقع والإشراف عليه ورعايته يصفها أحمد عبدالمهيمن بالباطل الذي أُريد به الحق، وإلا كيف لمعتمد يشرف بنفسه على مثل هذه الفوضى وتنسب رعايته للوالي شخصياً في السابق ويأتي المعتمد الجديد ويرعاه بنفسه!
ويضيف عبدالمهيمن بشيء من الحسرة “لو كان المعتمد أشرف على وضع اللافتة في مثل هذا المكان، مقابل رعاية الوالي شخصيا، يعني أن الوالي تكفل بالاستحقاق المادي لتخطيط وتطوير المكان المعني، فلابد أن المعتمد خُدع في الموضوع ولم يسمع عنه مطلقاً أو أنه هو من خدع الوالي، وإلا كيف له أن يزج بنفسه وبالوالي في مثل هذا الأفعال الشنيعة”. وختم عبدالمهيمن حديثه متسائلا: “لو كان أحد هؤلاء أنفق ثمن اللافتة والصورة المكبرة على برميل نفايات، أليس أجدى وأنفع للناس؟!”.

تدارك الخطأ
يمكن للمواطن أن يجد العذر لمثل تلك الشعارات التي صارت على قفا من يشيل بحسب أحمد عبدالمهيمن، لكن كيف يبدو الأمر في نظر الزائر الأجنبي عندما يشاهد أن أقذر مواقع الخرطوم يشرف عليها المعتمد ويرعاها الوالي بذاته ويتكرر السيناريو مع كل مسؤول جديد للمحلية، قطعا سوف يعد أن سوء التخطيط والخدعة باسم الجمال هو توجه الدولة مادام المسؤولون لا يتورعون عن كتابة أسمائهم بالخط العريض على نواصيها، وإن كانوا غير مسؤولين عنها في الحقيقة، فإن هناك من يستخدم صفاتهم للترويج للكسب مادي، وفي الحالتين يجدر بالجهات المعنية صون الكرامة الرسمية من مثل هذا العبث.

محمد عبد الباقي
صحيفة اليوم التالي