مقالات متنوعة

منى عبد الفتاح : من يحتمل من في هذا الكون الفسيح؟


ضجّت وسائل التواصل الاجتماعي قبل فترة بتداول اقتباس مصوّر يظهر رئيس وزراء أستراليا أنتوني أبوت وهو يقول: “على المهاجرين غير الشرعيين العودة إلى بلادهم”، فردّ عليه أحد المواطنين الأصليين لقارة أستراليا: “حقاً؟ هل أنت جادّ؟ إذاً متى تعود أنت إلى بلادك؟”.

يبدو أنّ هذه المعضلة الأزلية فيما يتعلّق بالهجرة واللجوء، هي قضية مرتبطة بالطبيعة البشرية منذ هجرة آدم وحواء من الجنة إلى الأرض، ثم “الخروج” كما جاء ذكره في العهد القديم (التوراة)، وقصص القرآن الكريم وعبرها. وما يأتي في صيغة النصح إن حاق بالإنسان ظلمٌ أو فسادٌ أو استضعاف، أو ما هو في حكم ذلك من رغبات وطموحات. “إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيراً” ( 97 : النساء).

أما في العصر الحديث وفي القرن العشرين فقد فرضت الهجرة ظروف بعض البلدان البائسة، أو الهجرة من أجل العلم أو من أجل بحث عن وضع أفضل وهذا يرتبط بالطموح والترغيب الذي أنشأته الدول الغنية لجذب مواطني البلدان الفقيرة والذي أصبح فيما بعد ترهيباً وعدم قبول وتنظيم أقرب إلى التوجس من هذا المارد. وعندما شارف القرن العشرون على نهايته، وبعد أن عملت العولمة على تقوية الإحساس بالتفاوت الاقتصادي والتقدم فيما بين الدول، فقد استشعرت الدول الغربية حجم العجز عن كبح جماح الهجرة إليها، وفشلت في إيقاف طوفان المهاجرين من العالم الثالث، ما ولّد شعوراً لدى الغرب بالخطر على الأمن المجتمعي والاقتصادي.

ونزولاً عند الحكمة التي تقول: “إذا لم يكن ما تريد، فرد ما يكون”، والتي قد لا تعني الاستسلام كما هو واضح، ولكن يمكن النظر إليها بمنظور آخر أكثر تفاؤلاً؛ بأنّ الرضا بالقضاء والقدر، يعني الأمل بغير سلوك المناطحة، ويعني الرجوع خطوة إلى الوراء استعداداً لوثبة أكبر، ويعني أيضاً التفكّر فيما يحدث والحكمة منه وتدارك الأخطاء التي أوصلت إلى هذه النتيجة. كما يعني أيضاً المرونة في تقبّل أوضاع معينة إلى حين تغييرها في الوقت المناسب، مع السعي الجاد لإحداث التغيير المطلوب.

فيمكن النظر من زوايا أخرى بمنظار أكثر وضوحاً وسطوعاً، إلى ما يحدث في عالمنا العربي. يقول التاريخ إنّ أحداثاً شبيهة حصلت في العالم الأول وبفضلها كان بهذا الشكل من التطور والتحضّر والحداثة. وأنّه لم يكن هناك من مناص ولا مفرّ من تجاوز ما يحدث. وإذا كان التسليم، شعوراً عاجزاً لا يُترجم إلى أي سلوك، فإنّ التفكّر والتدبّر والاستعداد إلى المرحلة المقبلة هو تفكيرٌ إيجابي.

من ينظر إلى خريطة العالم اليوم يجد أنّ تشكيلاً كبيراً على كل المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، قد تفاعل في معمل العالم الكبير ليخرج لنا هذا النتاج، حيث ازداد الثراء والتنوّع الفريد على كل المستويات. وجديرٌ بالتفكّر أنّ التنوع والتنافر الأساسي ليس هو ما أوصل إلى هذه النتيجة، وإنّما التفاعل والتلاقي وتلاقح الحضارات هو ما أنتج هذا الشكل الذي أقلّ ما يمكن أن يقال عنه أنّه ناجح.

لو كان إخلاص الإنسان إلى وطنه الأكبر، كوكب الأرض، يماثل بشكل ما إخلاصه لوطنه الموجود في حدود دولته المرسومة بحكم تداخلات الجغرافيا والسياسة معاً، إذن لأصبح هذا العالم أكثر احتمالاً ولذابت الفوارق بين البشر التي تقوم حالياً على أسس أبعد ما تكون عن المعقولية.

ولكي يحتملنا ظهر هذه الأرض يجب أن نتواضع على أنّنا ليس سوى ذرّات في هذا الكون الرهيب كما قال أحد الحكماء. فليس هناك من سبيل إلى التآلف إلّا عن طريق الحبّ، ففي حكمة الفلكي الأمريكي الشهير، كارل ساجان جاء تعبيره البديع: “بالنسبة لمخلوقات صغيرة مثلنا، هذا الاتساع الكبير غير محتمل إلّا من خلال الحبّ”.