عبد الباقي الظافر

أمنحوا سلفا فرصة..!!


*الساعات الأولى من الصباح قبل ستة أعوام: طائرة الخطوط الليبية تهبط بمطار إنجمينا ..الضيف الغامض كان يتوقع أن تأخذه عربة خاصة إلى صالة كبار الزوار.. فوجيء خليل إبراهيم بلغة آمرة وخشنة من الضابط الذي ولج إلى جوف الطائرة الليبية ..استلم الضابط التشادي الأوراق الثبوتية لخليل واثني عشر مرافقاً ..كانت كل جوازات السفر تشادية..لاحقاً أُبلغ خليل وزملائه أن وثائقهم مزورة، وبالتالي لن يتمكنوا من دخول إنجمينا ..استمرت الأزمة إلى ظهر اليوم..بعدها أمرت السلطات الليبية طاقم الطائرة بالعودة إلى طرابلس، مؤكدة أن خليل وكبار قادته لا يحتاجون لجوازات سفر لدخول ليبيا.
* الأزمة لم تبدأ في إنجمينا..خليل إبراهيم مكث في الدوحة أربعين ليلة يفاوض الوفد الحكومي السوداني .. قبلها كان أمير قطر يزور إنجمينا مطالبا بالضغط على الرجل العنيد.. وخليل يرفض أن يتزحزح قيد أنملة.. من الدوحة طار خليل إلى القاهرة ومنها إلى ليبيا..كان هدفه الوصول لقواته عبر تشاد..الخرطوم التي تواصلت مع تشاد وقبلت وساطاتها في الملف الشائك كانت تضغط على إنجمينا لتقلم أظافر الدكتور خليل إبراهيم.
* يزور الخرطوم هذه الايام الرئيس ثامبو أمبيكي رئيس الآلية الإفريقية للتوسط في النزاع السوداني ..أمبيكي يحاول إقناع الخرطوم بالمشاركة في جولة جديدة من المفاوضات ..ليست هذه المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة التي يفشل فيها أمبيكي في إقناع طرفي الصراع بتقديم تنازلات حقيقية.. إذاً لماذا لا تفكر الخرطوم في طريق آخر للوصول إلى عقل وقلب الحركات المتمردة..الورقة الرابحة ربما تكون الفريق سلفاكير..هذا الرجل طلب غير مرة منحه فرصة التوسط بين قطاع الشمال والحكومة السودانية ..في كل مرة كانت الحكومة ترفض المبدأ حتى لا تسمح للجار الجنب أن يحشر أنفه في الشأن السوداني .
* السؤال كيف يمكن أن يكون سلفاكير فعالاً في إحلال التسوية في السودان..يبدو سلفاكير مثل فاقد الشيء فكيف يعطي السلام للسودان ..الحقيقة أن هنالك ارتباط وجداني ما بين قيادة الحركة الشعبية وقوات قطاع الشمال.. معظم جنود القطاع حاربوا مع الحركة الشعبية لسنوات طويلة..هذا الارتباط مع استمرار الصراع مع السودان جعل جنود قطاع الشمال مقربين لاخوتهم في الحيش الشعبي.. بل إن هنالك احساس يسيطر على الحركة الشعبية بأنها تنكرت لحلفائها السابقين..هذا الوضع يصعب مهمة حكام الجنوب في إدارة ظهر المجن لأصدقاء الأمس..لكن السماح بوساطة الرئيس سلفاكير تمكنه من استغلال هذه الارتباطات لنيل تنازلات من جانب الحركة الشعبية بشمال السودان..إن لم تستجيب الحركة الشعبية فسيجد سلفاكير نفسه في وضع يتخذ فيه قرارات فض الارتباط بين الحركة الأم وفرعها في السودان.
* في تقديري..هامش المناورة ليس كبيراً أمام سلفاكير..الظروف الاقتصادية القاهرة التي تعيشها جوبا..العزلة الدولية غير المسبوقة ورمي حكومة الجنرال سلفا بالاتهامات الأممية يجعله يرغب في تحقيق تسوية في الشمال ..هذا الوضع سيجعل سلفاكير قادراً على توصيل الرسائل الصعبة لرفاقه السابقين.. إن لم ترضخ الحركة الشعبية بشمال السودان وتقدم تنازلات من أجل التسوية، فسيضطر سلفاكير لإشهار البطاقة الحمراء في وجهها.
* بصراحة..جربنا كل الوساطات فلماذا لا نمنح اشقاءنا في جنوب السودان فرصة ولو محدودة ..هؤلاء هم الأقرب، كما أن في يدهم ما يهشون به على الحركات المسلحة.

(تراسيم – صحيفة اخر لحظة)