مقالات متنوعة

فضل الله رابح : وهل الناجي هو الناجي؟!


يظل الأخ الناجي عبد الله في مخلية المجاهدين وفي نظري هو الناجيِّ المجاهد الذي كان ملازماً للإخوان في صفوف الجهاد، ومن الذين كتبوا سيرة مثيرة للشباب الإسلاميين في السودان وفي مقدمتهم الشهيد الأمة علي عبد الفتاح.. ومسيرة الناجي مع علي عبد الفتاح في الفعل والجهد كفيلة بالاحترام وهم يضربون الأرقام القياسية في المواجهة والمجابهة، وبمواقفهم فتحوا الأبواب المغلقة وخاطبوا عاطفة الشعب السوداني واستخرجوا كوامن نبله ومواقفه القوية، وأربكوا حسابات العدو الخارجي وغيروا منهج ومسار المواجهة، ولكن كل ذلك لا يؤهله للتشكيك في نوايا الآخرين.. وعندما حدثت المفاصلة بين الإسلاميين كان الناجي من الموالين لمجموعة المنشية التي كونت فيما بعد المؤتمر الشعبي حزباً سياسياً، وهذا شأن الأخ كما هو شأن الآخرين في اختيار الوجهة السياسية التي يولونها، وظل احترام الإخوان بينهم مهما تباعدت المسافات متجذراً، إلا أن أمثال الناجي وآخرين كانوا الأكثر فجوراً في الخصومة والاستبراء من منهج إخوانهم في المؤتمر الوطني. وكانت مواقف الناجي الأكثر شذوذاً وتجريحاً بلغ مرحلة التجريح الشخصي لإخوانه، وكلما حاول البعض رأب الصدع وعصمة المجموعة من التنازع يأتي الناجي عبد الله بحديث مغاير وهو ينفخ في «قربة» الخلاف، وكثيراً ما يقف في خط الممانعة لأية خطوة للتلاقي ووحدة الصف، وهو لا ينظر لأي استشراف للمستقبل وفقاً للواقع الماثل.. والناجيِّ ظل رافضاً لأية رؤية لتصافي ووحدة الإسلاميين متأثراً بجراح المفاصلة التي ليس فيها انتصار لشخص وليس فيها مهزوم ووقعها عسير على الكثيرين لكنها وقعت.. واتفقنا أو اختلفنا فإن تيار الإسلاميين الذي تحمل عبء الاستمرار في المؤتمر الوطني هو الذي تحمل الوزر الأكبر وأدار دولاب الدولة في ظروف بالغة التعقيد، واستطاع في ظروف قاهرة صناعة قاعدة قوية للعمل السياسي والتنفيذي، وصد كل الهجمات المرتدة والقوية، وقدمت مجموعة المؤتمر الوطني تضحيات كبيرة، وتحملوا أصعب المراحل، وقادوا المركب بسلام ولم يدعوه يغرق في وقت كان البعض فيه ينتظر غرقه بما فيه، ولكن إرادة الله وتوفيقه وأقداره عصمته وحفظته من الغرق.. ومن ثمرات صبر قيادات المؤتمر الوطني المبادرة بعملية الحوار الوطني وقيادته مع شركائها الذين آمنوا بفكرة الحوار من القوى الوطنية، والمؤتمر الشعبي كان من أكثر الأحزاب تمسكاً بالحوار الوطني وإيماناً بما ورد فيه، حتى أصبح من خلال الحوار الوطني من الميسور للإسلاميين أن يتوحدوا على منهج، وأن تكون وحدتهم مبنية على تفاعل كيميائي وليست وحدة فيزيائية بأن يجتمع حزب المؤتمر الوطني والشعبي في كيان سياسي واحد، ولكن أن يتفاعلا من أجل منتوج واحد، فهي الفكرة من الوحدة بين المؤتمرين إذا قدر لي أن أفهمها صحيحة.. ثم جاءت وفاة الشيخ الدكتور حسن الترابي في ظرف دقيق من تاريخ البلاد، وكانت وفاته محطة لقراءة دقيقة ومتأنية استهداءً بما ورد في وثائق الحوار وحرصه عليه، ومن هنا جاء اهتمام قيادات المؤتمر الوطني، وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية، بعملية علاج الشيخ ومحاولات إسعافه، ومن تاريخ ورمزية الشيخ استمد الجميع طاقة الدفع، ولكن إرادة الله كانت غالبة، ثم توفي شيخ حسن وكانت تداعيات الوفاة وعودة بعض الطيور المهاجرة أبرزها علي الحاج والناجي عبد الله، ولكن حزنت جداً عندما سمعت حديث الأخ الناجي في الندوة التي نظمتها أمانة الشباب مع علي الحاج وحديثه بأن المؤتمر الوطني عقد اجتماعاً رسمياً وقرر عدم حضور الرئيس تشييع الجثمان، وهو حديث يتنافى مع الواقع المعايش والمشاهد، ولم يعد كونه ضرباً من الخيال والشعور والنوايا المسبقة، وهو حديث ينم عن المضي في طريق الفتنة الذي تركه البعض وراءه وأقبل على مرحلة جديدة جددوا فيها النوايا والمقاصد.. الأخ الناجي في هذه الفترة كان مغترباً بالمملكة العربية السعودية، ويبدو أنه كان بعيداً عن دوائر الشعبي وتفاصيل الحوار بالداخل، وأطلق الحديث على عواهنه بين أجيال بعضها قد لا يعرف من هو الناجي وما هو كسبه؟! وما هي الانتصارات التي حققها وإخوانه في الماضي؟؟! ومع ذلك فإن شيطان النفس وحظوظها أحياناً يغلب وربما يعمي البصائر ويجعل أمثال الناجي يتصرف كالدرويش، وهو من الرجال الذين نزف دمهم في سوح الجهاد وطوبى لهم بهذا التاريخ.
ولكن في السياسة ليس هناك ود دائم ولا خصومة دائمة، ولم يبق متسع من الوقت للدراما السياسية، ومازلت شخصياً أرى في الإخوان المجاهدين رفقاء الذين مضوا اتصافاً بالوعي والحكمة والنظرة الثاقبة، والمأمول أن يظل المجاهدون هم النواة التي تنبت شجرة وحدة الإسلاميين وليس الرياح التي تفرقهم وتبعثر صفهم.. وعلى الجميع أن يوحدوا صفهم، وأن يجددوا رغبتهم في الوحدة الكيميائية وليس الفيزيائية، على الأقل في المرحلة الحالية، حتى لا تحدث المقارنات والحديث عن المواقع والمكاسب.. وأخيراً السؤال: هل الناجي هو الناجيِّ ذاته أم تغير؟!
فضل الله رابح – (الراصد – صحيفة الإنتباهة)