صلاح حبيب

ما بين صحافة مايو والإنقاذ (9)!!


نحمد في صحافة الإنقاذ للراحل المقيم الشيخ “يس عمر الإمام” رئيس مجلس إدارة صحيفة (السودان الحديث) آنذاك، أن ساهم في إقناع الكثير من المسؤولين والوزراء بالجلوس مع الصحفيين لتقديم خطط وبرامج وزاراتهم أو التعريف بأشخاصهم، لأن معظم الوزراء الذين تعاقبوا في حكم الإنقاذ لم يكونوا من الأسماء اللامعة أو من نجوم المجتمع، لذلك كان شيخ “يس” حريصاً على أن يقدم أولئك الوزراء عبر الصحافة المحلية أو الصحافة المملوكة للدولة، وهما صحيفة (السودان الحديث) التي تجاوزت مطبوعاتها (السبعة وستين ألف نسخة) في اليوم، عكس صحيفة (الإنقاذ) التي لم تكن مطبوعاتها اليومية قد وصلت (العشرة آلاف) نسخة.
فمكتب شيخ “يس” كان يعج يومياً بالمسؤولين، وكان يفرض عليهم إجراء المقابلات الصحفية أو الإدلاء بالتصريحات التي تفيد الدولة، وأذكر من بين الشخصيات التي جلست معها كان الدكتور “الحاج آدم” ووقتها كان والياً على “الشمالية”، والأستاذ “هاشم هارون” كان وزير الموارد المائية بـ”كوستي”، كان شيخ “يس” يأمر ولا يرفض له طلب من الوزراء، وفي أحد الأيام سبق أن حدد لي مواعيد لإجراء حوار مع الأستاذ “عبد الرحمن نور الدين” وزير الدولة بوزارة العمل، ثم من بعده حدد مواعيد لحوار مع “أنجلو بيدا” وزير العمل.. ذهبت صباحاً لمكتب السيد الوزير “أنجلو بيدا” جلست مع السكرتيرة في انتظار الدخول على السيد الوزير، ولكن حدث شيء لم أكن أتوقعه، جاءني مدير العلاقات العامة والإعلام وهو غضبان أشد الغضب من وجودي داخل الوزارة، وفي الوزارة مكتب السيد الوزير، فقال لي محتجاً كيف تأتي لإجراء حوار مع السيد الوزير وهو لا يعلم، فأجبته بأن المواعيد قد حددت لي مع السيد الوزير وأصلاً وزارة العمل ليست من الوزارات التي يقصدها الصحفيون إلا في مواسم محددة، لم تعجبه إجابتي ولم أهتم لحديثه، وفي بضع ثواني طلبني السيد الوزير، فما أن دخلت عليه وجلست لإدارة الحوار، جاء الرجل وهو يشتط غضباً أكثر في وجود السيد الوزير، فلم يعجبني تصرفه للمرة الثانية، فقلت للسيد “أنجلو بيدا” سيد الوزير هل هذا الموظف كان بإمكانه أن يقتحم مكتب السيد “علي عثمان محمد طه” دون أن يسمح له بالدخول؟ وهل بإمكانه أن يتصرف هذا التصرف أم لأنك جنوبي؟ لمست كلماتي عند الوزير منطقة حساسة في نفسه، هاج وثار في الموظف ثورة عنيفة وطالب بتقديمه إلى محاسبة فوراً.
إن شيخ “يس عمر الإمام” رحمة الله عليه، كان إعلامياً من طراز فريد، كان يطلع على الصحف قبل الصحفيين، ويطالب بإجراء اجتماع معه ويقوم بتصحيح الجريدة كلها بما فيها الإعلانات، وهذه حالة نادرة لمسؤول وفي عمره، ربما لم يقم بمثل هذا العمل رئيس التحرير أو مدير التحرير.. من حسنات صحافة الإنقاذ كانت معظم الوجبات الإفطار والغداء والعشاء مجاناً، وحتى في شهر (رمضان) كان الإفطار على مستوى عالٍ وكذلك الترحيل من البيت إلى المكتب، ولكل دوائر العمل داخلياً، أما التغطيات الخارجية فتمنح نثريات تقوم بتصفيتها عند انتهاء المأمورية.
صلاح حبيب – (لنا رأي – صحيفة المجهر السياسي)