صلاح حبيب

“الترابي” حياً وميتاً يشغل الساحة!!


شغل الدكتور “حسن الترابي” الأمين العام للمؤتمر الشعبي الساحة السياسية حياً ومازالت الساحة مشغولة به بعد وفاته. لقد كانت له شخصية تجبرك على الاحترام والانصياع لها، فقد علمته التجارب منذ أن دخل المعترك السياسي بعد ثورة أكتوبر 1964م فكان مشعل شرارتها من داخل جامعة الخرطوم عبر الندوة الأشهر في تاريخ السودان، فكان حدثاً ساعد وساهم في إزالة النظام العسكري آنذاك، ومن ثم توالت الأحداث التي كان له قصب السبق فيها مثل ثورة شعبان، ثم خاض تجربة المصالحة الوطنية في عام 1977م وشارك النظام المايوي من أجل هدف واحد هو الحكم، ولذلك عندما سقط النظام المايوي لم يستجب للمؤامرات التي حيكت ضده، فظل صامداً في وجه المتآمرين عليه إلى أن دخل الانتخابات وفاز بكل دوائر الخريجين، ثم شارك في الحكومة الائتلافية وتحمل كل إخفاق حدث، بينما لاذت بعض الأحزاب من المواجهة. لقد كانت شخصيته ساحرة ومؤثرة ليس على مناصريه بل على معارضيه أضاً، ولذلك ظل الرقم الأول في الساحة السياسية لا تشكل حكومة بدونه ولا تشكل معارضة بدونه، وأصبح اللاعب الوحيد في الميدان يستقطبه كل فريق إليه، فالحوار الوطني الذي دعا إليه رئيس الجمهورية، لولاه لما وجد قيمة وحتى مخرجاته لم تجد قائداً يفحصها ويصنفها ويمحصها إلا هو.. وبعد رحيله الكل الآن في حيرة، فقيادات حزبه فشلت في أول امتحان جرى من خلال الندوة التي أقيمت بين تياره وتيار المؤتمر الوطني، فكانت الأنفاس عالية وساخنة وكاد الزمام أن ينفلت، وهذا حدث ما كان يحدث لو كان الشيخ “الترابي” موجوداً، فهو قادر على كبح جماح أعضاء حزبه، ولا أحد يستطيع أن يقوم بأي عمل ما لم يأخذ الإذن منه أو يطلعه على ما سيقوم به، لذلك الحزب الآن في حيرة من أمره، ولا أعتقد أن الشخصيات المطروحة لقيادة مسيرة الشعبي سترضى عنها القاعدة، فالشيخ “إبراهيم السنوسي” كان ملازماً للشيخ “الترابي” كظله حتى أصبح شبيهاً له من حيث الشكل، لكن من حيث الشخصية الكاريزمية وقوة الشخصية وتأثيرها في الجماعة قد لا يجد نفس القبول من القاعدة أو القيادات، بالإضافة إلى أن شيخ “إبراهيم” لا يستطيع اتخاذ القرار لوحده عكس ما كان عليه الشيخ “الترابي” قرار لا رجعة فيه، بجانب الانفعال الزائد لدى شيخ “إبراهيم”، وهذه لم نلحظها في الشيخ الراحل “الترابي”.. أما الدكتور “علي الحاج” المرشح الثاني لمنصب الأمين العام، رغم تجربته الطويلة مع الحركة الإسلامية أو الجبهة الإسلامية لكنها تختلف أيضاً عن الدكتور، حين فشل في المواجهة الداخلية غادر إلى “ألمانيا” وتمتع بجوازها وكل مخصصاتها، عكس الشيخ الراحل “الترابي” الذي صمد في مواجهة كل التقلبات السياسية وزج به في السجون لم يفكر في اللجوء أو الخروج من السودان، حتى عندما حدثت المفاصلة وخيرته دولة “قطر” باللجوء إليها والتمتع بالحياة فيها فرفض.. أما بقية القيادات فلا أعتقد أن الأستاذ الصديق “كمال عمر” سيحظى بما كان يتمتع به خلال وجود الشيخ، فهناك ممن لا يرضون عنه الفترة المقبلة.. أما الدكتور “بشير آدم رحمة” شخصية لم تكن كما كانت قبل المفاصلة، والكثيرون من قيادات الشعبي لا توجد بينهم شخصية تشبه شخصية “الترابي”، لذا سيظل “الترابي” حياً وميتاً يشغل الساحة ولا أحد يملأ فراغه.