منى سلمان

اقدلي .. وسكّتي الخشّامة


شبّة احد الظرفاء قديما طريقة مشي البنات بطريقة حساب النقود، فقال أن البنت النحيفة (رقيقة) الساقين تمشي بخطوات مسرعة تشوبها (الكلفتة) و(الكفاتة) و(تكش التراب) فتكون خطواتها مثل عدّ القروش:

قرش .. قرش ونص .. قرش .. قرش ونص !

أما ثقيلات الوزن صاحبات (الوجي الوحل) فيمشين الهوينى واثقات الخطى متمهلات ورزينات فتكون خطواتهن مثل عدّ الجنيهات:

ألف .. ألفين .. ألف .. ألفين !

تذكّرت ما كتبته العزيزة (فاطمة كرار) من أنها كانت تميز السودانيات عندما تلتقيهن في الطريق ابان وجودها بالمملكة، من طريقة مشيهن بالرغم من لبسهن للعباية والنقاب.. تذكرت قولها ذلك بينما كنت اجلس وحيدة في السيارة واراقب الطريق انتظارا لـ (سيد الاسم) اثناء خروجنا في أحد المشاوير، فقد كنت (اتلفت) حولي بملل عندما رأيت سيدة متوسطة الحجم في عقدها الرابع قادمة من أول الطريق ..

ظللت اتأمل طريقة مشيها حتى اقتربت من السيارة وتجاوزتها ثم غابت عند منعرج الطريق.

ما لفت نظري لتلك السيدة هو طريقة مشيها المميزة، فقد كانت تسير بخطوات بطيئة متمهلة وتحرك وسطها حركة نصف دائرية مع كل حركة من قدميها، وتكون تلك الحركة بالتزامن مع حركة نصف دائرية أخرى تصنعها بيدها اليمنى الممدودة بعيدا عن جسدها، كما لو كانت تقوم بـ (عواسة الكسرة) أو السباحة، بينما احتفظت بيدها اليسرى مقبوضة إلى صدرها وهي تحتضن المحفظة.

حقيقة .. يمكن تميز المرأة السودانية من بين مئات النساء من مختلف الجنسيات فقط من (قدلتها) وطريقة مشيها، ليس هذا فحسب ولكن يمكننا أيضا تقدير عمر السيدة من طريقة مشيها .. فالمرأة السودانية هي الوحيدة التي تتناسب قدلتها طرديا مع سنّها، وان اختلفت تشبيهات تلك القدلة كلما تقدمت في السن، فـ بينما يشبه مشي الشابات بـ (عوم الوزين) تتغير المواصفات مع تقدم السنوات فـ تشبه مشية الجلكانات بـ (عواسة الكسرة) !

يقال أن اول من ابتكر الكعب العالي كان (جزمجي) صيني، عندما طلب منه الامبراطور أن يصنع لمحبوبته حذاءا يجعل جسدها يهتز كلما قدلت في حضرته، ومن يومها صارت النساء تقدل و(تتكعوج) من فوق الكعوب، وتميزت بذلك طريقة مشي النساء عن الرجال.

ولعل النساء العربيات – عموما – يتميزن عن غيرهن بالمشية التي تلفت الانظار حتى ولو لم يقصدن ذلك، وقد كانت المرأة في الجاهلية إذا كانت تمشي في الطريق وفي رجلها خلخال صامت لا يصدر صوتا, ضربت برجلها على الأرض اثناء المشي حتى يسمع الرجال في الطريق صوته ويلتفتوا لرؤيتها، فنهى الله المؤمنات عن مثل ذلك التصرف, كما جاء في قوله تعالى (وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ) صدق الله العظيم.

كما تختلف طريقة مشي الشابات فـ (لكل مقام مشية) حسب المناسبة الممشي فيها أو إليها، فـ مثلا مشية البنات والطريق خالي تختلف عن ما إذا كان هناك شبابا يراقبون، كاختلاف المشية في المين رود عن المشية من الكرسي لحلبة الرقص في الحفلة !

حكى لنا ابن احدى قريباتنا قصة تؤكد هذا الظن، فقد كان يدرس في كلية جامعية بقسم كل طلبته من الاولاد، وبالتالي كان جميع من بالقسم من الجنس الخشن ما عدا سكرتيرة رئيس القسم الشابة، والتي يقع مكتبها في نهاية الصالة التي تطل عليها قاعة محاضراتهم .. حكى لنا بأن الطلبة أثناء وجودهم في المحاضرة كان يعرفون إذا ما كانت الصالة خالية أم أن بها أحدا، وذلك من صوت (رنّة) كعب السكرتيرة العالي وهي تعبر الصالة، فعندما تكون الصالة خالية يسمع الطلاب وقع خطواتها المسرعة يخترق صمت القاعة:

كع كوع .. كع كوع .. كع كوع !

أما عندما تكون الصالة عامرة بـ (الفراجة) من الأساتذة و(الخشامة) من الطلاب، فيتغير صوت الكعب مع خطوات القدلة البطيئة إلى:

كج كجك .. كج كجك .. كج كجك !
(أرشيف الكاتبة)