جعفر عباس

الفول الوراثي


أصدر معهد لأبحاث الأغذية في كندا تقريرًا يفيد بأن بعض الأغذية تتسبب في إصابة البشر بالاكتئاب. وقال التقرير: إن الذرة على وجه التحديد من مسببات الاكتئاب، وأنا أصدق كل حرف جاء في ذلك التقرير، فأهلي في السودان يحبون الذرة ويصنعون منها خبزًا يسمونه «الكسرة». والآن فقط فهمت لماذا السودانيون قوم «سريعو الاشتعال»، تجد الواحد منهم يمشي في الشارع وكأنه من ضحايا قنبلة هيروشيما، ولكن ما أن تلقي عليه التحية حتى يهش ويبش ويفتر ثغره عن أسنان إفريقية تفل الحديد.
من ملاحظاتي الخاصة أن المصريين والسودانيين سريعو الانفعال، يضحكون بهستيرية ويتنرفزون لأتفه الأسباب. وقد أجرى «معهد حلايب للبحوث الفسيوسايكولوجية» دراسة حول هذه الظاهرة وتوصل إلى استنتاج أن «الفول» هو سبب الاضطرابات العاطفية التي يعاني منها أبناء السودان ومصر
منذ الصبا لاحظت أن قدرتي على الاستيعاب في المدرسة تصبح ضعيفة بعد «فسحة الفطور» التي كان فيها الفول العنصر الوحيد، ولطالما أقام عليّ مدرس الحساب الحد؛ لأنني كنت أتلعثم في الرد على الأسئلة المتعلقة بجدول الضرب بعد تناول: خمسة في ستة فأجيب عليه بصوت مرتعش «13» فينهال بالعصا على رأسي وظهري، ثم يعيد السؤال: 8 في 4 فأتوكل على الله وأقول: ثلاثة وعشرين، وكانت مثل هذه الإجابة تنقذني من مزيد من العقوبة لأنّ المدرس المسكين كان يرمي العصا في الهواء ويلطم خده ويصيح: حرام عليك يا ابن الـ…. والله لا يوجد في أي جدول ضرب في العالم عددان صحيحان يساوي حاصل ضربهما 13 أو 23.
كنت أتعرض للضرب والإساءة بسبب الفول، «وياما فكرت» في الإضراب عن تناول الفول، ولكن عدم وجود البديل جعل تنفيذ الفكرة أمرًا مستحيلاً. وبعد أن كبرت وتخلصت من جدول الضرب السخيف لم أنجح تمامًا في التخلص من «الفول»، ودارت الأيام وأصبح عندي «عيال»، وكانت الكارثة أنهم يهيمون بحب الفول ولا يتأففون من أكله يوميًا، وهذا في حد ذاته دليل على أن فيروس الفول ينتقل بالوراثة. فأنا، والله على ما أقول شهيد، لم أقصر في تزويد عيالي بأطعمة كنت أحسب في طفولتي أنها لا تتوافر إلا في الجنة التي وُعد بها المتقون.
عندما كنا صغارًا كنا نحسب المكرونة ضربًا من الأسماك، وما من شيء خاب ظني فيه مثل الفراولة، فقد كنت أعتقد أنَّها أشهى ثمار الأرض ثم اكتشفت أنها شيء مثل الخيار المغموس في الشاي الأسود. المهم حصلت على قروض بنكية لأوفر لعيالي أشهى الأطعمة ولكن «العرق دساس»، فقد قصّروا رقبتي وأصبحوا يأكلون الفول علنًا حتى بات الواحد منهم ينام وهو واقف، وعندما ذهبت بهم إلى لندن قلت: الحمد لله.. أتينا إلى بلد لا يأكل فيها الفول إلا الخيل. ولكن العبد في التفكير، والرب في التدبير، فقد شاء حظي العاثر أن يقع اختياري على منطقة كوينزواي لإقامة أسرتي، وخلال أول جولة لي مع أفراد الأسرة في شوارع تلك المنطقة إذا بلافتات المطاعم تمد لسانها لي، وقد كتب عليها بلغة عربية ركيكة أنها تبيع الفول والفلافل. أظلمت الدنيا في وجهي بينما تهللت أسارير عيالي، وكان لا بدَّ من اتخاذ قرار بالهجرة الفورية من «كوينزواي» وبررت ذلك للعيال بأن المنطقة ستشهد حربًا أهلية، وهكذا انتقلت إلى منطقة «فينشلي» في شمال لندن، وهي منطقة متاخمة للقطب الشمالي وكانت سعادتي غامرة عندما قمت بدراسة ميدانية لأسواق المنطقة وتأكّدت من خلوها من الفول، ولكن سعادتي لم تدم طويلاً فقد وصلنا «طرد» ضخم من السودان.
نعم، ما توقعتموه أيها القراء كان صحيحًا. الطرد كان في واقع الأمر شحنة من حب الفول بعث بها الأهل –سامحهم الله– وهكذا أصبح بيتي منتجًا للفول بعد أن كان مستورا له. وهكذا أصبح عيالي مهددين بالتخلف العقلي!


تعليق واحد

  1. لك التحية ابو الجعافر
    كان عمي يرحمه الله يقول ان من حسن حظ السودانيين الدكاترة يمنعون مريضهم من اكل انواع كثيرة من الطعام الا الفول وإلا كان ماتوا بالجوع
    وفي طرفة اخرى قدمت حاجة كبيرة من البلد للخرطوم في زيارة لاهلها وأحضرت معها طرد فول هدية لهم ولكنها بعد ايام تحسرت على ذلك بالقول انا بي شقاوتي اجيب فول السجم دا معاي وقد ملت امل الفول يوميا