تحقيقات وتقارير

المؤتمر الشعبي.. البحث عن الذات!


بعد رحيل محمد إبراهيم نقد، غابت الشخصية التي تحظى بالكاريزما الخاصة، داخل أروقة الحزب الشيوعي السوداني، فإنعكس ذلك سلباً علي أداء الحزب، بيد أن سكرتيرة الجديد لم يستطع إظهار بصمته طيلة السنوات الماضية، وهو ذات الأمر الذي ربما ينطبق اليوم على حزب المؤتمر الشعبي بعد رحيل الشيخ الترابي، فالرجل ظاهرة إستثنائية لا تشبه إلا نفسها، فهو الأكاديمي الذي إنخرط في معمعة السياسة ولم تمض سوى سنوات قليلة على إستقلال البلاد، متسلحاً بذكائه وعلمه وبالكاريزما التي يمتلكها، فقد إستطاع الترابي منذ ظهوره على المسرح السياسي في بواكير الستينيات بجامعة الخرطوم، أن يحدث نقلة نوعية في تنظيم الإسلاميين من تنظيم نخبوي إلى كتلة جماهيرية بحسب المراقبين، حيث إتسمت مواقفه بالبراغماتية وتحقيق الهدف، بغض النظر عن شرعية الوسيلة، لهذا لم يستغرب المتتبعين لسيرة الرجل عندما باغت الساحة السياسية بقبوله للحوار الذي طرحه الرئيس البشير دون شروط وانخرط فيه، مما رفع حاجب الدهشة وأثار عاصفة من التساؤلات حينها، لكنه مضى فيه دون الالتفات لأحد وبرر موقفه بأنه المخرج الوحيد لأزمات البلد المتفاقمة.

لذلك يرى الكثيرون أن كاريزما شيخ حسن وشخصيته القيادية لا يمكن إيجادها في أيٍّ من أعضاء وقادة الحركة الإسلامية، لكن في ذات الوقت ثمة من يعتقد أن الحركة الإسلامية طيلة تاريخها إعتادت أن تعمل بمؤسسية عبر منظومة أجهزة مسؤولة عن وضع وتنفيذ كل خطط التنظيم، لكن يذكر أن المحلل السياسي والكاتب الإسلامي الشاب السفير خالد موسى كان قد كتب في إحدى مقالاته أن المؤتمر الشعبي لا مستقبل له في حال قرر الترابي التقاعد السياسي وبرر ذلك بقوله: (الأزمة في الشعبي أكبر من غيره لأن كل الحزب يستمد أهميته من كاريزما الترابي)، إلا أن قادة الشعبي ومن وسط ركام أحزانهم نفوا بشدة غياب شمس حزبهم برحيل قائدهم الملهم، وقد صرح الأمين السياسي للحزب كمال عبد السلام بعد وفاة الرجل بأنهم لن يلتفتوا إلى الوراء أبداً، وأن مواقف الشيخ ونضالاته ستكون الدرب الذي سوف يسيرون عليه، قائلاً: شيخ حسن ترك لنا الحزب كالمحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.

لكن برغم تلك التطمئنات التي أطلقها قادة الشعبي بعد رحيل الترابي، إلا أن ثمة من يرى أن رحيل الرجل يعني بلا شك موت المؤتمر الشعبي وخروجه من دائرة الفعل السياسي، لذلك يجب التعويل على المنظومة الخالفة التي كان يعول عليها الشيخ كثيراً في إحداث النقلة التنظيمية والجماهيرية التي إعتادت عليها الحركة الإسلامية طيلة تاريخها، ما يجعل هذه المنظومة الخالفة البديل التنظيمي للشعبي الذي يمكن أن ينقله من حالة الجمود وعدم الفاعلية التي قد يصفها به كثير من الناس، رغم شح المعلومات عن هذا المشروع إلا أن نائب الأمين السياسي للشعبي يوسف لبس أكد من خلال إفاداته للزميلة (المجهر السياسي)، أن مشروع المنظومة الخالفة واضح المعالم لدى قيادة الشعبي ومستوعَب لديها تماماً، لافتاً إلى أن قيادة الحزب بدأت فعلياً في تنفيذها بخطوات جادة، وأن الأمانة العامة أكدت هذه الفاعلية من خلال إدارتها لـ(أزمة رحيل الشيخ) في كل مراحلها، وتكليفها وفق النظام الأساسي للحزب لنائب الأمين العام الشيخ إبراهيم السنوسي بمهام الأمين إلى حين إنعقاد المؤتمر العام، لافتاً إلى أن أول تكليف صدر له من الأمانة هو الصلاة على جثمان الشيخ، وقال معظم قيادات المؤتمر الشعبي بحزم شديد: (لدينا تنظيم متماسك ومحكم ينتظم كل ولايات وقرى وأحياء السودان، تحكمه الشورى والمؤسسية)، واستبعدوا أية إمكانية لاهتزاز الشعبي متأثراً بغياب الترابي، وصرحوا في أكثر من موضع بأن: (الشعبي مؤمّن بعضويته وقيادته الواعية والمستوعبة إستراتيجياً لمهامها ما يجعل أي شخص يمثل شيخ حسن).

أكرم الفرجابي
صحيفة ألوان