جمال علي حسن

بيان الشيوعي حول الاقتصاد الفي البر عوام


لديّ قناعة بأن الحزب الشيوعي السوداني لو تحرر من نظرية (ما يطلبه المستمعون) فهو يحمل الكثير من الرؤى والأفكار التي يمكن أن تعين من يجتهدون لمعالجة الأزمة الاقتصادية في الانتباه للمسار الصحيح الذي قد ينجي اقتصاد السودان ويخرجه من أزماته المعقدة.
طالعت البيان الصادر عن المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوداني حول الأزمة الاقتصادية وتحذيراته من تفاقم هذه الأزمة جراء فشل السياسات الاقتصادية، وأشار البيان للكثير من المشاكل والقضايا التي لا خلاف على توصيفاتها أو الإقرار بها وبعضها مشكلات ناتجة عن تخبط اقتصادي وسياسات مرتبكة..
لا خلاف، على حديث البيان عن إخفاقات الحكومة وخرقها لميزانيتها المعلنة بإعلان زيادات خارج الميزانية.. كل هذا يمكن أن نعتبره تنبيها لخلل ما ونقدا موضوعيا..
ومن حق الحزب الشيوعي الآن أن يقدم انتقاداته من البر لأن من في البر (عوام) فعلاً، لكنك لو سلمت الاقتصاد السوداني للحزب الشيوعي اليوم وطلبت منه تطبيق برنامجه الاقتصادي المعتمد في مؤتمره الخامس عام 2009 فسيفشل وبامتياز لأن الحزب الشيوعي يضع برنامجه الاقتصادي بلسان سياسي ويتحدث عن السياسة بلسان عاطفي وعن الواقع بلسان رومانسي.
ولو أخذنا مثالاً لقضية تطرق لها بيان المكتب السياسي للحزب في انتقاده للحكومة في إصرارها على إقامة السدود فستجد أن موقف الحزب الشيوعي من هذا الملف هو موقف منسجم مع ما ورد في برنامجه الاقتصادي نفسه لكنه مناقض لجملة توجهات وروح هذا البرنامج الاقتصادي الخاص بالحزب وتفسير هذا التناقض بين روح البرنامج الاقتصادي وموقف الحزب من قضية بناء السدود هو تفسير بسيط جداً يمكن أن تتوصل إليه من خلال مطالعة عابرة لمسودة هذا البرنامج الاقتصادي المقدمة للمؤتمر العام الخامس قبل مناقشتها داخل المؤتمر وتعديلها لاحقاً بما ينسجم مع فكرة (ما يطلبه المستمعون) وما يرضي مزاج (المناضلين).
ففي المسودة المقدمة للمؤتمر وتحت عنوان (البنيات الأساسية الإنتاجية) كانت هناك توصية ملحة بإقامة المزيد من السدود.. تطالب المسودة (بتعزيز قدرة وكفاءة الخزانات والسدود والحفائر ومحطات المياه وقنوات الري وإنشاء المزيد منها بغرض الاستغلال الأمثل لموارد البلاد المائية، مع مراعاة العوامل والآثار الاجتماعية والبيئية والالتزام بالمعايير الدولية).
لكن وبعد أن خضعت تلك المسودة للنقاش ولحسابات الربح والخسارة السياسية.. أصبح بند السدود والخزانات في برنامج الحزب كالآتي (تنتهج الدولة الوطنية الديمقراطية نهجاً علمياً وديمقراطياً للاستغلال الأمثل للموارد المائية في البلاد. ويندرج إنشاء السدود والخزانات على النيل وفروعه ضمن وسائل تحقيق أهداف استراتيجية التنمية الوطنية… إلخ.. مؤكدين على أن إقامة تلك السدود والخزانات ضد رغبات ومصالح سكان المناطق المراد إقامتها فيها يجهض الهدف الرئيس من إقامتها ويتعارض مع مبدأ ديمقراطية التنمية الذي نسعى وبكل إصرار علي إقراره وتطبيقه).
والسطران الأخيران تمت إضافتهما على المسودة المقدمة لأغراض سياسية بحتة متناقضة مع روح البرنامج الاقتصادي المعتمد للحزب نفسه والذي يؤكد على أهمية دور الدولة وحقها في إدارة الموارد، بل يتحدث البرنامج عن استرداد أراضٍ ومشروعات تم تخصيصها وعن سلطة قابضة للدولة في إدارة وتنمية ثروات البلاد لكنه يهزم هذه القبضة بأن تكون هذه الدولة الممسكة بأمورها بإحكام عاجزة في نفس الوقت عن بناء سد مائي بسبب أصوات تعارض قيامه..!
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.