حيدر المكاشفي

مستهبلون ومصلحنجية


عبارة الدكتور منصور خالد المجلجلة التي نذكرها هنا ولا نتبناها والتي أطلقها كالقذيفة في ليلة تكريمه والتي وصف فيها أحوال ممتهني السياسة على مر حقب ما بعد التحرر، بأنهم مجرد (مستهبلين)، ذكرتني بفئة أخرى يمكن تسميتها بـ(المصلحنجية)، وعلى ذكر (المصلحنجية) كان أول من طاف بذهني هو بائع التوابيت الذي سُئل في استطلاع صحفي عن أحواله المعيشية، فقال بعفوية (الحمد لله والشكر لله قد تحسنت أوضاعنا وأصبحنا نبيع عشرات التوابيت في اليوم الواحد)..!! ورغم غرابة إجابته لكن لا مأخذ عليه، فالرجل مواطن عادي مسكين وبسيط يتحدث عن حرفته وأوضاعه الخاصة، ويرى أن من مصلحته أن يكثر الموت وتتضاعف أعداد الجثث حتى يكسب المزيد من بيع التوابيت…
وحكاية هذا الحانوتي مع الفارق النوعي والكمي هي ذات حكاية (المصلحنجية) الكبار أصحاب (الهبر هبر)، ناس الهبرو ملوا الذين انكفأوا على مصالحهم الخاصة في مقابل مصلحة الوطن والمجتمع.. صحيح أنهم مثل صاحبنا الحانوتي من حيث الرؤية الأنانية التي لا تتعدى حدود أشخاصهم، ولكنهم بالقطع ليسوا مثله من حيث الكم الذي يتحصلونه من الفهلوة والهبر، ولا من حيث نوع التفكير والتدبير، فالحانوتي صاحب تفكير محدود وعفوي، بينما هم أصحاب وعي وإدراك ويعلمون تماماً أن تقديم مصالحهم الخاصة على الوطن يقود إلى خرابه، ورغم ذلك يستمرون في تغليب الخاص على العام.. وتحضرني في هذا المقام قصيدتان إحداهما لأهل القوم تتحدث عن الصدق والتقوى والزهد والتقشف تقول بعض أبياتها:
الهبرو ملو
جابو سليم من ناك لعلو
ركبو صهلو للما صادقين الباب قفلو
كم جابو غريب همّل أهلو
في الغار دخلو
طاوين بالجوع قط ما أكلو…
والقصيدة الأخرى لشاعر لا أستحضر اسمه، استفزه حال آخرين مغاير تماماً للحال الذي وصفه أهل القوم، غرّتهم الدنيا فتكالبوا على قصعتها، جارى هذا الشاعر المغبون على هذا الحال قصيدة أهل القوم المذكورة ونظم على غرارها ما هو عكسها، وتقول بعض أبياتها:
الهبرو ملو.. باسم الحق لحسوا وأكلو
بالغش وصلوا.. تجار كهان للناس خذلو
إلى إن يقول:
سرقوا ونشلوا.. للخير حاكرين عسلو وبصلو
عبّوا وحملوا.. وخارج السودان للمال نقلو.. وهؤلاء هم (المصلحنجية) الذين عنيناهم ممن افتقدوا أي إحساس بالمصلحة العامة، وانكبوا على طمعهم وجشعهم لملء جيوبهم وبطونهم ولو على أنقاض الأمانة والفضيلة…
(حيدر ألمكاشفي – بشفافية – صحيفة التغيير)