الصادق الرزيقي

رصاصات طائشة


> قبيل انطلاق الاجتماعات التشاورية في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، بدعوة من الآلية الإفريقية رفيع المستوى، وسفر وفد الحكومة للقاء متمردي قطاع الشمال وحركات دارفور والسيد الصادق المهدي، وبينما كان السيد ثامبو أمبيكي يحل ضيفاً على الخرطوم، لوضع اللمسات الأخيرة لعقد هذه الاجتماعات، كانت قوات الحركة الشعبية قطاع الشمال، تقوم بعمليات محدودة ذات رسالة واضحة في الجزء الشمالي من ولاية جنوب كردفان (محلية القوز)، وعملية أخرى في الطريق الرابط بين الفولة عاصمة ولاية غرب كردفان ومنطقة الدبيبات، وهاجمت بعض القرى الصغيرة ولاذت بالفرار لإحداث فرقعة إعلامية، تريدها متزامنة مع الاجتماعات وللفت الأنظار إلى أنها يمكن أن توجه ضربات موجعة في مناطق أصلاً كانت عصية على التمرد منذ دخوله جنوب كردفان في النصف الثاني من السنوات الثمانين من القرن الماضي.
> وبالرغم من أن الأهداف الدعائية والسياسية التي سعت إليها الحركة قطاع الشمال من هذه العمليات المحدودة لم تأتِ بنتائج لصالحها ولم تنعكس على الاجتماعات في أديس أبابا، إلا أن أهدافها الأخرى أيضاً لم تجد طريقها للتحقيق، ولعلها كانت أهم بكثير من الجانب الدعائي الإعلامي. فالمخطط العسكري العملياتي للجيش الشعبي في جنوب كردفان، ظل يراقب ويعمل على مواجهة الحملة العسكرية الضخمة التي أعدت لها الحكومة ودفعت بقوات كثيفة لتحرير ما تبقى من مناطق في محليات هيبان وبرام وأم دورين، وهي قوات كبيرة تستطيع تأمين كل أرجاء الولاية. وقد توفرت عوامل جيدة للعمليات التي أعلن عنها والي جنوب كردفان اللواء الدكتور عيسى آدم أبكر، وهو يُعلن قبل أيام أن ولايته ستتعافى من التمرد وستطرد ما تبقى له من قوات وستكسر ما بقيت له من شوكة. ويساند المواطنون قواتهم المسلحة في الولاية، وتوجد معنويات عالية وسط الأهالي وثقة كبيرة في أن الحكومة قادرة على بسط الأمن و(شن) السلام كما تقول تعابير بعض كبار موظفي الأمم المتحدة..
> فالسؤال، لماذا ذهبت قوات الحركة في هذه العمليات اليائسة شمالاً إلى محليات شمال الولاية وعند الطرق القومية لتضرب مناطق الفرشاية والحميضاية ومنطقة سوق رابحة بمحلية أبوزبد بغرب كردفان..؟
> هدفت الحركة قطاع الشمال، إلى مرمى آخر غير لفت الأنظار، فهي تعتقد أن القوات المنطلقة جنوباً للمحليات التي أشرنا إليها وتتواجد فيها بقايا قواتهم، يمكن شغلها بعمليات نوعية في أقصى شمال الولاية، ونقل الحرب إليها وهي أجزاء كانت مبرَّأة من نشاط التمرد، ويمكن سحب جزء من القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى وتخفيف الضغط على تجمعات الجيش الشعبي الرئيسة في المحليات الجنوبية ومنطقة كاودا، وإعاقة التقدم جنوباً وقطع خطوط الإمداد على حدود دولة جنوب السودان.
> وتنظر الحركة قطاع الشمال كذلك إلى أن التماسك الاجتماعي في المناطق الشمالية للولاية والتعايش السلمي بين مكوناتها السكانية في ظل الظروف الراهنة في جنوب كردفان، يُعطي رسائل إيجابية لأجزاء الولاية الأخرى، فأرادت أن تضرب هذا النسيج وتصنع الفتنة بين المجموعات القبلية، خاصة عندما قامت باستهدافات انتقائية واختطاف بعض أبناء المنطقة وبث إشاعات وسط المواطنين حول وجود تعاطف معها.
> وتعلم قيادة الحركة الشعبية في جنوب كردفان أنها معزولة في هذه المناطق وفي كل مكان من الولاية المترامية الأطراف المتعددة الأصول والأعراق، ولن تستطيع البقاء لساعة واحدة في المواقع التي تهاجمها وتنهب فيها ممتلكات المواطنين الأبرياء. ولطالما حاولت انتهاج أسلوب قذر خلال الفترات الماضية في بذر الشقاق بين القبائل والإشارة إلى أن قوات الدعم السريع والدفاع الشعبي التي تهاجمها تتبع لقبائل معينة وتحرض عليهم بقية القبائل.
> فإذا كانت عملياتها الأخيرة فاشلة عسكرياً وسياسياً ودعائياً، وإنها اختارت المنطقة الخطأ لإحداث فرقعتها الإعلامية، فما الذي سيسعفها في الاجتماعات الجارية حالياً في أديس أبابا..؟. لعل التفسير الوحيد لهذا العمل الأخرق المخبول الذي نفذته ضد الأهالي في الأجزاء الشمالية لجنوب كردفان، هو تنفيذ متعجل لنصيحة الدوائر الغربية المبعوثين الدوليين بعد اجتماعاتهم الأخيرة في لندن وباريس مع أطراف الحركة الشعبية قطاع الشمال وبعض الحركات المتمردة، ومطالبتهم بـ«تسخين» الأوضاع على الأرض لتحقيق أكبر المكاسب على الطاولة، بينما تضغط الدولة الغربية بدورها على آلية الوساطة الإفريقية رفيعة المستوى ..!
الصادق الرزيقي – (أما قبل – صحيفة الإنتباهة)