حوارات ولقاءات

الأمين السياسي للشعبي كمال عمر يفتح خزائن الأسرار


في ذلك اليوم طلب منه الترابي أن يديم النظر الى مقابر فاروق، حيث تطل نافذة مكتبه! استأمنته زوجة الشيخ وابنة الأنصار على ماورثته عن أمها! أصبح الأقرب الى عراب الحركة الإسلامية، ودخل قلب الأسرة.. سطع نجمه مع المفاصلة وصعد لمنصب الأمين السياسي من محامي مغمور بسوق السجانة الى سوق السياسة، يترافع أمام الكاميرات وعلى صفحات الصحف دفاعاً عن الترابي، اختلف حوله الكثيرون، وأدهش بعضهم وصوله السريع الى قلب وعقل الرجل، الذي لا يعرف العاطفة في عمله… ارتبط اسمه بأهم الشخصيات التي لعبت أطول الأدوار على خشبة مسرح السياسة السودانية، ظن الجميع أنه سيصمت وربما اعتزل السياسة، ولكنه عاد مرة أخرى يبحث عن معارك أخرى… كمال عمر عبدالسلام الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي، قصدنا أن ندير معه دردشة سياسية تبتعد عن التكرار والمألوف فتح لنا قلبه وفجر المفاجآت…. فالى مضابط الحوار:

* أستاذ كمال عمر ماهي حكايتك مع الترابي وسر هذا الارتباط الوجداني والصعود السريع لمكانة الأقرب ؟
– حقيقة الارتباط الخاص لي مع شيخ حسن بدأ مع المفاصلة، عقب تلك القرارات الخاطئة بحل المجلس الوطني وإعفاء الإمين العام للحركة الإسلامية من منصبه، شعرت بظلم للمشروع الإسلامي كله ورفضاً، لهذا دخلت الشعبي.
* مادمت مؤمناً بالمشروع الإسلامي وفكرة الترابي لماذا لم تسانده من قبل ؟
– كانت هناك مجموعة حول الشيخ يحولون دونه وبقية الأخوان
* لماذا؟
– لأنهم كانوا خائفين على المناصب.

* الى أي شيء استندت في هذا الحديث؟
– الترابي نفسه أخبرنا بأنه لم يكن يعلم بكثير من الأشياء التي تتم، والتقارير التي كانت ترفع له كانت مضروبة من رئيس قطاع الطلاب في ذلك الوقت.
* الجميع يعلم أن الترابي كان ينزل تعليماته فتطاع في الأمور صغيرة وكبيرة؟
– أبداً الترابي لم يكن لديه علم بالتعذيب في بيوت الأمن ولا الاغتيالات ولا الانتهاكات التي تمت، ولا التجاوزات المالية.
* لنعود الى البوابة التي دخل منها كمال الى الشعبي؟
– اثنان من المخلصين فتحوا الباب لي هم الشيخ مكاوي وجعفر فقير( ديل هم الجابوني) للترابي في بيته بالليل لأشرح تفاصيل قضيتهم مع جهاز الأمن، وقد كنت أحد عشرة محامين مترافعين في القضية.

* وبعدين ماذا حدث في تلك الأمسية؟
الله حركتي فيني أشياء ..
صمت قليلاً ثم قال:
– كانت تلك أمسية مشهودة، فقد كان الترابي في تصوري شخصية عالية جداً جداً، ولم اتوقع هذا التواضع، جلس معي على الأرض ووضعت أمامنا صينية العشاء لكن انا ماعارف( اكلت شنو )، (أكلت ما أكلت غايتو يدي كان بتدخل وتمرق) وهو يطرح علي الأسئلة.. جيت أرد (اتلعثمت)
* وماسر حالة الارتبارك التي انتابتكم؟
– الهيبة العجيبة لشيخ حسن التي ظلت تلازمه حتى وفاته، عيون شيخ حسن ونظراته بتخليك ما تقدر تكذب أبداً، المهم بعد ذلك قدمت شرحاً تفصيلياً للقضية ودفوعاتنا.

* هل تعتقد انك لفتَ نظر الترابي الى شخصك من تلك الأمسية؟
– لا كان صعباً أن يحكم عليّ، لكن اللقاء الثاني كان عقب توقيعه لمذكرة التفاهم مع الحركة الشعبية، بعد أن تم القبض عليه وقتها تحركت مع عبد العزيز عشر، وهو من قيادات العدل والمساواة معتقل الآن وكان أقرب مني للشيخ وعبد السلام الجزولي رحمه الله، وقمت بالاتصال بمحامي القوى السياسية الأخرى، غازي سليمان، رحمة الله، وأمين مكي مدني، وغيرهم من كبار المحامين في ذلك الوقت كنا محامين مغمورين وكنت (محامي سوق ساكت)
* كأنه الحماس و……
– أجاب مقاطعاً… الحماس وجزء منه (رجالة) (الوقت داك العربية بتخاف تمر ببيت الترابي والبخلي ببقى والي) والخوف كان شديداً.
* إذن كان اللقاء الثاني بالسجن؟
– نعم زرناه في السجن والمحامين ومن القوى السياسية ورفع المذكرة وقال لينا كلموهم إني معترف بيها، ووقعت مع الحركه الشعبية وعليهم أن يتجهوا معي الى المحاكم، خرجنا منه واستمرت علاقتي بأسرته طوال العامين التي قضاها في السجن، اكتشفت خلالها أن الترابي عنده أسرة غريبة وأن لهذه السيدة وصال المهدي فضل كبير في ما وصل اليه الشيخ.

* واضح أن إعجابك بالسيدة وصال مرتبط بمواقف؟
– أجاب مقاطعاً…. نحنا كنا (قايلين) الترابي (عندو قروش) لكن لن أنسى ذلك الموقف عندما كان الترابي سجيناً طلبنا مبلغاً للعمل الحزبي، دخلت السيدة وصال وخرجت تحمل( كيسا فيه دهب) وهو الذي ورثته عن أمها وقالت لي( يا كمال شيلو أمشي بيعوا وحل المشكلة).. أذكر أنني دموعي نزلت ورفضت أخذه ولجأت لأحد الأخوان لحل الأزمة فعلاً أسرة غريبة وعندها قدرة على التضحية.
* لكن ألا ترى أن علاقتك بالأسرة فيها شيء من الغرابة، حيث لم تكن صديقاً قديماً حتى تحصل على هذه الثقة؟
– لكن الوقت داك دخول بيت الترابي (ما كان حااااار) (ما تشوفي البتكلموا عن كمال ديل كلهم جروا)
* واصبحت مقرباً وتوليت الأمانة العدلية؟
– أبداً شيخ حسن ما بكلف أو يقرب الأشخاص بالعواطف حتى ولو كان ابنه، والغريب في الأمر أنا قدموني للأمانة العدلية عبدالله حسن أحمد، وشيخ ابراهيم السنوسي، ورفعوها للترابي في السجن ووافق عليها.

* كمال عمر ما حصل زعلت من الشيخ؟
– كانت زعلة صغيرة أخذتني فيها العزة بالاثم وأنا(كنت قايل نفسي) محامي شاطر، ودخلت على الشيخ وقدمت ليه الورقة القانونية، فإذا بي أتفاجأ بأنها أصبحت مصححة كلها، وامتلأت هوامشها بالعبارات والحذف، وقتها باغتني الشيخ وقال لي: يا كمال أنت ما بتفرق بين الدستور والأحكام والسياسة (انت اشتغلت محامي كيف)، خرجت منه وانا زعلان وقلت (أنا الجابرني على الزول دا شنو).
لم يكن أمامك خيار آخر لم يقدم لك المؤتمر الوطني عرضاً كما فعل مع بقية الأخوان؟
* البقاء بجانب الترابي يجعلك في مكانة مرموقة وتحت الأضواء، وأيضاً تتاح لك فرصة الاستفادة من أفكاره والخروج عن الترابي كان يعتبر وصمة عار ستلاحقك خلال تاريخك السياسي.

* لم تتلق عروض من المؤتمر الوطني؟
تلقيت عروضاً عبر أسرتي ومن منافذ مادية وحاولوا التضييق عليّ وتقديم العروض لأسرتي لكن أسرنا محصنة.
*هناك من هم اقدم منك وغادروا؟
– الثبات من الله
* صعود سريع للأمانة السياسية؟
صعدت للأمانة السياسية بعد اختبارات اجتزتها بنجاح وعلى اكتاف اخوان اعزاء، وهم أصحاب فضل في صعودي، وتقربي من الشيخ فقد كان في مرحلة التحول لإسقاط النظام، وذات المرحلة التي جلبت لي المشاكل) وجابت لي الغضب.)

* لكنك أدرت صراعات في كل الاتجاهات وهذا طبعاً لأنك بقيت الأقرب للشيخ؟
– أبداً ليس لها علاقة بقربي من الشيخ وجزء منه متعلق بطبيعتي الشخصية، وأنا لم أظلم اي شخص منهم عانقت الكثيرين، واندفعت نحوهم في يوم رحيل الترابي،
اندفعت نحوهم ليس خوفاً ولا تملقاً ولا ضعفاً، ولكن قوة الابتلاء والمحنة والصدمة برحيل الشيخ التي ضربت كل الناس دفعتني للتسامح.
* تتحدثون عن رحيل مفاجئ وصدمة بينما آخر التقارير الطبية أكدت أن قلب الترابي كان يعمل بنسبة 30% الأمر الذي يوصف بالإهمال؟
– أبداً لم نتهاون أو نهمل الشيخ وكان لديه فريق طبي من أطباء سودانيين وأجانب.

* لكن اعتقد أنه كان يحتاج للرقابة الطبية أكثر؟
– نعم ولكن من الصعب أن تحجم نشاط الترابي الذي يقفز فوق كل المحاذير ليصل الى هدفه، شيخ حسن لا يعرف العلل والمصائب.
* الأيام الأخيرة للشيخ يقال إنه خصص ليك ساعة يومياً؟
– أكتر من ساعة، خمس أو ست ساعات خلال اليوم، بل أصبحت أرافقه في كل المناسبات، الزواج والعزاء والسفر لود الترابي كنت معه دائماً(ينزل من العربية الترابي من اليمين وكمال من اليسار)
* ماالذي لاحظت على الشيخ في الآونة الأخيرة ؟
– كان دائماً مشغول بقراءة المصحف ويردد عبارات تدل على أنها الأيام الأخيرة يتحدث عن دنو الأجل، وكبرنا خلاص، ومرة أشار الى قلبه وقال لي ياكمال الطرمبة دي اشتغلت كتير خلاص) )
* وصية خص بها كمال عمر؟
– زارني في مكتبي وطلب مني أن اعدل المنضدة، بحيث تصبح جلستي مقابلة للنافذة المطلة على مقابر فاروق،
* وسألته لماذا؟
فقال لي (انتو المحامين أحياناً طبيعة عملكم تدخلكم في دائرة الظلم، ولذلك دايرك تتعظ بل سأل مدير مكتبي تاج الدين بانقا إن كنت قد عدلته، ولما علم اني لم أفعل سألني مرة أخرى وقال لي( بطل استهبال المحامين دا) بصراحة ( خوفني من مهنتي دي عديل كدا).
* المرحلة القادمة أمين عام جديد كيف تتوقع أن تسير الأمور؟
– أنا عن نفسي مستعد(أمسح احذيتم) اذا التزموا بخط شيخ حسن، وسأقف ضد كل من يحاول أن يحيد عن طريقه، بل أنا بعتبر دا الخط الفاصل- اي زول يحاول يتجه نحو المؤتمر الوطني سأعمل ضده.

* لماذا هذا الموقف المتطرف من وحدة الإسلاميين؟
– آخر لقاء للترابي مع المؤتمر الوطني أنا كنت حاضراً، ولم يتحدث عن اي وحدة، ولذلك فالوحدة ليست من اولوياتنا.
* يقال إن الشيخ تفرغ للكتابة خلال المرحلة الأخيرة من حياته ماالذي كان يكتبه بخلاف المنظومة الخالفة؟
– كتب في التفسير التوحيدي وقضايا المسلمين الفكرية، وكلها ستخرج للعلن، بعد موته سيعرف الكثيرون الترابي.

* ألا ترى أن الترابي المفكر الإسلامي قد تفرغ لبرنامجه متأخراً ؟
– الترابي (ضرتو) الإنقاذ وخصمت منه، افتكر أنها كانت تجربة (بطالة) للإسلاميين
* أخذ عليك حديثك عن تقدم أبناء وبنات الترابي لقيادة الحزب؟
– أنا ما قصدت أنهم يتقدموا للقيادة فوق، لكن يأخذون مواقعهم الطبيعية في الحزب.
* لماذا ؟
– لأنهم كانوا محرومين من حقهم لأن الشيخ كان يمنعهم من ذلك خوفاً من الوراثة.
* انحصرت خيارات الخلافة في ابراهيم السنوسي وعلي الحاج؟
– أكبر (اتنين) واكثر خبرة وتجربة وهم نواب شيخ حسن ووفقاً للائحة مفترض يتقدموا.
* في تقديرك ما الذي يمكن أن يقدمه كل منهما حال وصولهم لرئاسة الأمانة عقب المؤتمر العام.

لكل حوبته وصعب ملء مكان الترابي،
* يعني علي الحاج ممكن يقدم شنو لو وصل والسنوسي ممكن يضيف شنو لو ثبت كأمين عام؟
– هما الاثنان حاينفذوا ما وضعه الترابي.
* لكن هناك من يقول إن الترابي طالما طالب بعودة علي الحاج والاستعانة به ألا يرجح ذلك كفته على الطرف الآخر؟
– لالا .. الترابي كان يتعامل معهما بمستوى واحد.
* إذن المطلوب قيادة جماعية للشعبي في المرحلة المقبلة حتى تتضح الأمور ؟
– مطالبين بتوحيد جهودنا والعمل بروح وفاقية، الترابي لم يترك لنا أموالاً ولا وزارات نتصارع عليها.

حوار / فاطمة احمدون
صحيفة آخر لحظة


‫2 تعليقات

  1. شكرا فاطمة أحمدون

    فقد أرحت عقلي المتعب والمثقل بكينونة هذا ” الكمال ”

    فقد ظللت كلما طالعتني صورة هذا ” الكمال ” أشعر أنه يلبس ثوبا أوسع منه بكثير

    فكنت أتابع آراءه الفطيرة فأجده يتخبط داخل هذا الثوب الواسع

    ففي جميع تصريحاته كان يراودني شعور بفرحته بأنه صار تحت الأضواء كفرحة صغير بلعبة تعجبه ، أكثر منه اهتماما بحجم وخطورة التصريحات التي كان يدلي بها

    ولي ملاحظة أخرى : أحس به عدوانيا تدفعه تحفزية للقتال ، كأني به ” دون كيشوت ” مع طواحين الهواء

    وقفـــــــــــــــــــــــــــــة : الفارق بين الأثنين

    لا سيما الفارق الذهني بين الشيخ وعبقريته المفرطة ” بصرف النظر عن آرارئه وفتاويه ”

    فكم هو هااائل الفرق بين الثرى والثريا

    وفي رأيي أن كل منهما كان يحتاج الآخر ؛ الترابي وقد غدر به من أقرب تلاميذه فلم تعد تفرق معه من يكون قريبا منه

    وهذا ” الكمال ” كانت فرصته التي لو ضيعها فلن يواتيه الدهر بمثلها أبد ” ويحسب له هذا الذكاء الجزئي الطارئ ” في انتهازها …

    وإلا لظل مغمورا كما كان ، مثله مثل ملايين المحامين الذين تعج بهم البلد (محامي سوق ساكت) لا نحس منهم من أحد أو نسمع له ركزا

    ****************************************************

    تعليق على بعض ما ورد في الحوار

    * نســــخ ” عيون شيخ حسن ونظراته بتخليك ما تقدر تكذب أبداً ”

    ذكرتني هذه العبارة بعبارة قرأتها في كتاب يتحدث عن تاريخ القرامطة ..فعبارة وردت كوصف لزعيم القرامطة ” حمدان القرمطي ”

    * نســـخ ” دخلت السيدة وصال وخرجت تحمل( كيسا فيه دهب) وهو الذي ورثته عن أمها ”

    أيضا عبارة تدعوك للتأمل والمقارنة بين امرأتين تحت الأضواء ، وكلاهما اسمها يبدأ بحرف الواو

    لذلك نستشهد بالمثل الذي يبدأ بحرف الواو ” وراء كل عظيم امرأة ” …متروك لفطنة القارئ

    ختــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاما :
    قد تكون لي عودة فالحديث ذو شجون فيما تضمنه هذا الحوار

    1. كرت واتحرق ، بعرفه انا شخصيا لنسب قديم كان يجمع بيننا و قد كنت اسكن معه في نفس البيت في السجانة
      المهم هو ليس ذاك الرجل الذي يعول عليه الترابي لولا المفاصلة