تحقيقات وتقارير

الإسلاميون يرتبون لـ(توالي سياسي) جديد..!!


يعتبر المراقبون أن مصطلح “التوالي السياسي” من أبرز المصطلحات التي أطلقها الإسلاميون في نهاية القرن العشرين. ودخل الحياة السياسية من أوسع أبوابها، عقب إجازة دستور السودان لسنة 1998، وقد أشكل المصطلح وقتها، على الناس جميعاً، أهل اللغة، وأهل القانون، وأهل السياسة، وأهل الصحافة، وأثار جدلاً واسعاً، وشغل الناس باعتباره من صنع الدكتور “حسن الترابي” الزعيم الروحي لـ “الإسلاميين”، ونص دستور السودان لسنة 1998 على حرية التوالي والتنظيم في المادة رقم (26) البندين (1) و(2)، وتقرأ ما يأتي:
“للمواطنين حق التوالي والتنظيم لأغراض ثقافية أو اجتماعية أو اقتصادية أو مهنية أو نقابية لا تقيد إلا وفق القانون. ويكفل للمواطنين الحق لتنظيم التوالي السياسي ولا يقيد إلا شرط الشورى والديموقراطية في قيادة التنظيم واستعمال الدعوة لا القوة المادية في المنافسة والالتزام بثوابت الدستور كما ينظم ذلك القانون”.
واعتبر الإسلاميون وقتها مصطلح “التوالي السياسي” من صلب أدبهم السياسي و”تأصيلاً” لمصطلحاتهم السياسية، فيما يعتبره المعارضون مصطلحاً مرفوضاً لا يعبر عن فكر سياسي معاصر، أو تعددية سياسية (ديموقراطية حزبية).
واليوم يتوزع الإسلاميون أحزاباً ومجموعات وأفراداً: (وطني، وشعبي، والإصلاح الآن، وسائحون، ومنبر السلام العادل، وحتم، والحركة الوطنية للتغيير “المنبر الحر”، والأفندي، وجعفر شيخ إدريس)، فما أحوجنا إلى أن تتوالى تلك الأحزاب والمجموعات.
وكان انشغال “الترابي” حين إعلانه التوالي السياسي- حسب المقربين منه – ينصب على توحيد أهل القبلة في السودان، لا سيما التنظيمات ذات الأيديولوجية الإسلامية كأحزاب الأمة القومي والاتحادي الديمقراطي.
وعمل الراحل الشيخ “الترابي” في أيامه الأخيرة بكل همة على توحيد أهل القبلة عبر (منظومة النظام الخالف)، ويرى مراقبون اتجاه “الترابي” إلى جمع الصف الإسلامي بشقيه الحديث والطائفي، وكان يقول إن المقصود أن نتوالى جميعاً إلى الله.
ومع وفاة “الترابي” انطلقت دعوات قوية لإعادة الوحدة بين الإسلاميين، وبعد انشقاق تجاوز الـ(17) عاماً، انقسموا معه بين حزب حاكم هو “المؤتمر الوطني”، وآخر معارض هو “المؤتمر الشعبي”، تعددت الدعوات لجمع الإسلاميين، تارة في مقر عزاء الرجل بمنزله في “الخرطوم”، وأخرى في مسجد جامعة “الخرطوم”، الذي يُعدّ معقلاً رئيسياً لـ”لإخوان”، حيث تداعوا للصلاة معاً (الجمعة) الماضية، وتقاسمت قيادتا الحزبين الخطبة للتبشير والدعوة بالوحدة باعتبارها رغبة الشيخ الراحل.
وقال القيادي بالمؤتمر الشعبي الدكتور “محمد العالم” إن الشيخ “الترابي” قبل وفاته بيوم التقى في مجمع مطول أحد أوفياء الحركة الإسلامية وكوادر العمل الخاص، وتحدثوا في كل شيء، وعن جمع التيارين في كيان أوسع من المؤتمرين لتفادي المكائد التي تحاك بالحركة الإسلامية، وأن يتكامل جهدهم وتناجيهم في هذا الأمر بوحدة صف إسلامي يكون عصياً على التخريب، ويكون أكثر عروة، مشيراً بأن الشيخ الراحل في أيامه الأخيرة قد أفاض في الحديث حول جمع كلمة وصف أهل القبلة، وتحصينه من كيد الأعداء.
نظام سياسي شوري
وقال المفكر (الراحل) “أبو القاسم حاج حمد” عن التوالي: “التوالي من توليدات الترابي الفكرية، وهو تعبير سياسي مستحدث في الفكر الإسلامي الدستوري ومركب على أساس الشورى ولم يصل إلى درجة المصطلح”، (حاج حمد – صحيفة الأنباء 28 يناير 99)، ويواصل حاج “حمد” ليقول: “والترابي يسعى لإيجاد نظام سياسي شوري إسلامي مميز عن الشق الغربي ولكنه لا يجد في موروث القضاء الإسلامي ما يسعفه في ذلك والكلمة مصطلح تجديدي”، و”الترابي يستدرك فارق النسق الإسلامي والغربي ولا يستلف من النسق الغربي”.
وقال دكتور “الطيّب زين العابدين” أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم، إنه حين دب الخلاف بين العسكريين والمدنيين حول السماح بوجود تعددية سياسية اخترع “الترابي” التوالي السياسي إرضاءً للطرفين المتنازعين من عسكريين ومدنيين!
وقال “أحمد إبراهيم الطاهر” المحامي إن “التوالي” كلمة أصيلة، و”إن دستور السودان لسنة 1998 أصل للحياة السياسية وقام على الثوابت التي يجتمع عليها الناس في السودان”.
ويجمع الإسلاميون أن المصطلح ورد أول مرة في أدبيات “الجبهة الإسلامية القومية” إبان الفترة الديموقراطية الثالثة (1986 – 1989).
ويؤكدون أن التوالي له معنى سياسي ورد في أدبيات الجبهة الإسلامية، وهي ليست غريبة على الواقع السياسي، وأنها تعني التعددية السياسية.
ويقول الإسلاميون إن كلمة “التوالي” مصطلح استخدمه “الترابي” في إطار شرحه لمسألة “الدين والمكان”، والتي تتناول واقع “المدينة” في عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
وكان “الترابي” قد كتب ورقة ضمن مجموعة أوراق نشرت في كتاب العام 1989 بعنوان “الحركة الإسلامية – الرؤية المستقبلية”.
وفي 1987 أصدرت “الجبهة الإسلامية القومية” التي كان “الترابي” أمينها العام “ميثاق السودان”، وورد لفظ “التوالي” في البند الأول من هذا الميثاق، وبهذا يعتبر المصطلح أحد أدبيات “الجبهة الإسلامية القومية” ورؤيتها السياسية.
التفسير والشرح
أجاز المجلس الوطني البرلمان السوداني قانون “تنظيم التوالي السياسي” لسنة 1998 وسيصبح القانون نافذاً بدءاً من مطلع يناير المقبل.
وورد تفسير التوالي السياسي ضمن بنود القانون وشرحه: “التنظيم يقصد به جماعة تقوم بتنظيم التوالي السياسي في التناصر والترابط الطولي للتعبير السياسي بغرض الدعوة والتنافس في الانتخابات لولاية السلطة العامة وفق القانون”.
وينظم القانون قيام التنظيمات والكيانات السياسية والأحزاب من حيث عضويتها وأموالها وتسجيلها، إذ أقر القانون تعيين مسجل للتنظيمات السياسية، واشترط لأهلية التأسيس لأي حزب، ألا تقل عضويته عن (100) عضو، وتقتضي إجراءات تسجيل أي حزب وفقاً لقانون تنظيم التوالي، أن يتقدم كل حزب بطلب تأسيس لمسجل التنظيمات السياسية، وإعلان الولاء والالتزام بأحكام الدستور، واشترط الديموقراطية والشورى في انتخاب قيادة الحزب.

المجهر