منوعات

د. سهير :كنا جماعة من نساء الأحزاب في (رمضان) طلب مني أن أكون (إمامة) عليهم في الصلاة رفضت وكنت (جبانة) و(ندمانة)


تمثل الدكتورة “سهير أحمد صلاح”، الظاهرة السياسية الكاملة لحزب المؤتمر الشعبي بعد رحيل الدكتور “الترابي”، لم تخفِ حزنها الخاص ولم تختصر أي شيء من أجل أن تقول كلمتها، وهي قادمة للحركة الإسلامية من بيت ختمي، درست في “إنجلترا” وجلست مع الراحل بشكل دائم، لديها وعي كبير بالتقدمية والإسلام السياسي، ولا تمانع في التحالف مع الشيوعيين أو الصوفية، قرأت “عبقريات العقاد” و”روايات عبير” و”الألغاز” في زمن البنات، وقالت بأنها تستمع للموسيقى والغناء كجزء من فهمها للدين، (ندمانة) على رفضها لطلب “الترابي” وهو يعطيها الميكرفون لإمامة الصلاة، ووصفت نفسها بالجبن لتحقيق لحظة تاريخية، انحازت للناس واعترفت بأنهم في المؤتمر الشعبي لم يتركهم “الترابي” بعد رحيله عميان، بل ( تحررنا من أطر الجغرافية والقبلية ولسنا مجرد حزب سياسي)، وتمت الفكرة بأنهم جاهزون حتى إكمال التحول الديمقراطي الكامل وفقاً لبرمجة متفق عليها.
كان الحوار محصوراً في أزمة غياب “الترابي” بعد رحيله، وكشف اللقاء عن كوادر مؤهلة ولديها وجهة نظر عميقة بخصوص كل المبادرات، فإلى الحوار الخاص مع أستاذة العلوم السياسية بجامعة (الزعيم الأزهري) وأمينة النساء بالمؤتمر الشعبي.
{ بكل صراحة القارئ لا يعرفك كما ينبغي؟
– أنا بنت من بنات السودان، وأظن هذا يكفي.
{ كيف دخلتِ للمجال السياسي؟
– أنا خريجة (أم درمان الإسلامية) ثم “نوتنغهام” بـ”بريطانيا” (دبلوم عالي)، والماستر بـ(جامعة الخرطوم)، ثم الدكتوراة في (ويستمنستر) بعنوان (الإسلاميون والديمقراطية)، وحصرتها في دور شيخ “حسن” في الفترة (89 – 2001).
{ كيف وجدتِ كتاباتهم عن فكر “الترابي”؟
– غزيرة عميقة جادة متنوعة و(جامعة ويستمنستر) تدرس فكر “الترابي” بطريقة منتظمة.
{ من منهم لفت نظرك وهو يتفحص فكر وتفكير “الترابي” من خلال كتاباته؟
– “جون أستريوتو” أمريكي، كتب بعمق وعدل وإعجاب عن الأسس النظرية في الشورى، وقال إن فيها شيئاً أعمق من قيم الديمقراطية.
{ كيف كانت آراء الطلاب في “الغرب” في فكر “الترابي”؟
– كانوا طلاب ماجستير ودكتوراة كتار جداً، قابلتهم وناقشتهم ومنهم فتاة سويدية، وكتبت مقالات مشهورة جداً تثمن موقف “الترابي” من قضايا المرأة وحتي (مؤسسة كارنجي) ميزت فكر “الترابي” بأنه عميق وعادل، وفيه رؤية متقدمة جداً للمرأة عموماً.
{ لابد من وجود طرف آخر ينظر له بسلبية؟
– (طبعا دا صحيح)، وديل تعرضوا لتجربة الإنقاذ سيما الـ(10) سنوات الأولى، تقول إن السودان صار فيها مكاناً للإرهاب وتصدير المجاهدين والتخطيط العالمي للثوار والمعارضات في الوطن العربي.
{ ظلموه؟
– لم تكن كلها شراً، ولابد من رأي آخر يعبر عن الشق الثاني، ويمكن أن يكون سطحياً أو له غرض.
{ في بحث الدكتوراة… إلى ماذا وصلتِ حول فرضية (الإسلاميون والديمقراطية)؟
– الأمور بالنسبة لي واضحة.
{ وأنتِ باحثة؟
– نعم في البحث العلمي لم أتذكر ميولي، ولا ينفع الإعجاب في البحث العلمي وهذا ما فعلته.
{ هل شاروتِ الشيخ في تخصص بحثك حول تفكيره وعالمه؟
– نعم شاورته وجلست معه مطولاً واستنبطت منه أفكاره التوحيدية وتنظيره في الحكم والشورى، وكل النظرية التوحيدية التي تتحكم في كل مؤلفاته.
{ هل صحيح أن التوحيد هو الخيط الرابط في جميع إنتاجه؟
– نعم كل شيء من حريات عامة وحكم ودستور مرتبط في تنظيره بالتوحيد، القاعدة والركيزة والزاوية التي يبني منها كل العمارة، وهي خيط السر والرابط الخفي لينسج بقية القضايا في مختلف المجالات.
– { ما رأيك في (تقنية) كتابة الشيخ في مؤلفاته المختلفة؟
– يكتب بأفكار أصيلة وما يصعب فهم كتاباته هو (وضع) الجمل الاعتراضية ضمن السياق المتواصل في شرح ذات الفكرة، وكان محتاجاً أن يضعها في أقواس ليعزلها من النص الرئيسي.
{ ماذا قال لكِ عن ملاحظتك المهمة؟
– قال لي كلامك صاح.
{ طيب والمفردة (مفردة الترابي)؟
– فنان جداً فيها ويضبط المفردة قدر حاجته لها في رسم الفكرة بدقة متناهية، وفيها (المفردة) درجات كبيرة من الشدة والقوة في التعبير عن القضية المراد توضيحها، ويولد المصطلحات بطريقة فريدة.
{ ينتظر الظواهر بكتاباته ويسبق الجميع على كشفها ووضعها على (التربيزة) قبل وقوعها بسنوات؟
– هو متنبئ خطير لأنه قارئ جيد للتاريخ، والمستقبل بالنسبة له كأنه فيلم سينمائي دخله مرتين، ويعرف تماماً سنن الحياة وإشاراتها التي تصيب البشر.
– { ولذلك صرتِ حركة إسلامية؟
– أنا أهلي ختمية وتربيت في بيت ختمي، ومن الثانوية قرأت “عبقريات العقاد”، خلقت عندي عاطفة قوية نحو الصحابة وحياتهم، وكل ما أقرا لـ”خالد محمد خالد” أبكي مع رسمه لحياة الصحابة وكأني جزء منهم.
{ وفي الحركة ووسط الإسلاميين وجدتِ الرابط العام؟
– تشبع وجداني معهم بتلك القيم، وجدت إجابة مهمة لأسئلة كبيرة مثل لماذا خلقنا في هذه الدنيا، فعرفت طبعا أننا خلقنا لنعمر الأرض من خلال منظومة حياة تشبع لنا هذا الأمر.
{ كيف قرأتِ السيرة وأنتِ في بواكير حياتك وبثقافة محدودة؟
– ببعض من التصوف.
{ ولكن البنات في سنك يقرأن “روايات عبير” ليخرجن زوجات رومانسيات وربات بيوت من الدرجة الأولى؟
– قرأت “روايات عبير” و”الألغاز”، وكنت أقول لنفسي دا كلام فاضي وقلة أدب، وقررت أكون كاتبة مشهورة.
{ ولذلك دخلتِ الجامعة الإسلامية؟
– أنا ما عندي أي مشكلة بالاختلاط في الجامعة.
{ لماذا تقرأين كتب الفقه في سن مبكرة؟
– كنت دائماً من جوة حركة إسلامية، وجئت لهم وأنا جاهزة ولم يجندني أحد، كنا أنا و”بت الجيران” نقرأ التاريخ والفلسفة وننظر للدين والتوحيد والحياة بشكل مختلف عن صديقاتنا.
{ شاروتِ أقرب الناس للدخول في كنف الحركة الإسلامية؟
– ما شاورت أي زول وأنا فخورة بكدا.
{ وأنتِ تقرأين السيرة وأنتِ (فتاة) من أحببتِ من الصحابة؟
– سيدنا “عمر” طبعاً و”أبوبكر”، وكنت أبكي في قصة الثلاثة “الزين” تخلفوا من الغزوة مع سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم).
{ لابد أن قصة الإفك عندك قصة مختلفة؟
– قرأتها بحزن شديد.
{ كنتِ صغيرة والآن معاك دكتورة.. كيف أعدتِ قرأتها؟
– نعم كبرت وزاد فهمي، وبدأت فعلاً أفك المنظومة.. امرأة ورجل غريب وهي زوجة الرسول (صلى) وظللت أقراها بحزن ضافٍ، وعرفت أن الفتنة يمكن تأتي من أقرب الناس، وكنت أستمتع بالقصة وبشارات ربنا تنزل لتبرئ السيدة “عائشة”.
{ وكيف قرأتِ الفتنة الكبرى؟
– الغريب قرأتها وأنا في “إنجلترا”، كنت أدرس ترجمة القرآن والتاريخ الإسلامي، واكتشفت أن الصحابة زلزلوا زلزلاً شديداً في تلك الفتنة.
{ كيف كنتِ توصلين المعلومة لطلاب أجانب مسلمين؟
– أجانب وصغار أعمارهم بين (17 – 20) سنة، كانوا عاطفيين جداً نحو تفاصيل السيرة والتاريخ الإسلامي، وعندهم أشواق غير عادية لمعرفة ذلك التاريخ.
{ وفي آخر صفحة بعد إكمال قراءة الفتنة الكبرى.. كيف حدثتِ نفسك؟
– إن الحكم يحتاج لإيمان وعزيمة وزهد ومثاله “عمر بن عبد العزيز”، وبالمناسبة كان عهده مليئاً أيضا بالمنافقين.
{ بقيتي كبيرة؟
– نعم وصرت أقرأ (زاد الميعاد) سلسلة كبيرة، وأمهات الكتب وحصل لي تحول كبير جداً.
– { وأنت تربيتِ في بيت ختمي؟
– نعم صحيح.
{ هل وجدتِ أي تناقض بين نموذج حيوات مختلفة؟
– نحن محظوظون جئنا في زمن متقدم عكس ما كان يفهمه الأخوان حينما عزلوا الفنون وحاربوا الغناء.
{ بتحبي الغناء والفنون؟
– نعم نحب الغناء والفنون والثقافة والرسم والسينما والموسيقى، ولم نجد أي تناقض مع أمور الدين وأصوله.
– { محظوظون كما تفضلتِ؟
– أيوا نعم محظوظون جداً (نحن بنات شيخ حسن) المجدد الشامل، وكمسلمات فهمن أن الدين يلبي كل حاجاتنا بتلك النظرة الثاقبة، وبعض الأخوان في الخارج ما زالت لديهم إشكاليات للتعامل مع الفنون واحتياجهم لها أجبرهم على التجاوز والقبول حتى من دون التنظير لها.
{ لديكم فكرة غير ديمقراطية بكونكم تريدون (إعادة صياغة الإنسان السوداني)؟
– خذني مثلاً أنا متدينة عادي، ولكن الناس هم الذين يحملونك مسؤولية زائدة، كأنك مرجعية ويتوقعوا منك عمل الخير أكتر، وبالتالي تركت الحركة (مش أنا) تركت بصمتها في الحياة السودانية العامة.
{ أنتم لستم أوصياء على الناس؟
– نحنا دعاة وبس.
{ هل استجاب لكم الشعب السوداني؟
– استجابة قوية جداً.
{ هل يوجد اقتصاد إسلامي؟
– توجد قيم اقتصاد إسلامي مثل الالتزام بالعهود، ومن غشنا ليس منا وربط الربا بالحرب ومنع الجلب وهم الذين يغشون أصحاب البضاعة بلقائهم خارج سوق المدينة.
{ الحركة الإسلامية عقيدة أم مجرد وجهة نظر؟
– الحركة الإسلامية هي وجهة نظر فقط، وقابلة أن تكون خاطئة.
{ وتم حل الحركة الإسلامية؟
– (مين قال ليك كدا)، أنا سألت الأخ “حاتم عبد الفاضل”، وقال لي لم تحل في يوم من الأيام وتسليم المصاحف فيها فقط إشارة للعهد والطريق.
{ انتم حركة نخبوية وتلك أزمة عميقة؟
– نعم نحن حركة نخبوية، وصفوية ودي فعلاً مشكلة كبيرة، ونحن لسنا حزب سياسي وبس وانتشرنا بين عامة الشعب من دون أن يحسوا بنا.
{ الشعب يصوت ويصفق لمن يوفر له الغاز؟
– (برضو دا صحيح ونعترف به) السياسة هي الاهتمام بهموم الناس.
{ أين كنتِ أثناء زمن المفاصلة؟
– كنت أمينة التخطيط والبحوث في الإتحاد الوطني للشباب.
{ تركتِ السلطة والجاه؟
– لم نفكر لحظة واحدة وقفنا طبعاً مع الشيخ (دي كمان عاوزة كلام).
{ في الأسبوع الفائت “فتح الناجي عبد الله” الجرح القديم وعلى طريقته المعروفة؟
– أنا قلت عنه كلاماً إنه ما زال “ناجي” سجين تلك الأيام ونحن عفونا ونسينا.
{ ولكن الأخ “الناجي” لديه استحقاقاته، وهو يرى كل شيء يضيع من بريق التجربة التي دافع عنها بنفسه؟
– بعض الناس تبقى على خصام دائم مع الآخر، وهل يوجد أصعب من “فرعون” وحتى في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم)، يوجد ناس مثل هؤلاء.
{ كم مرة أدهشك “الترابي”؟
– كتير جداً وتميزه بالاستقامة والشجاعة يمر على القضية، وكأن على عيوننا غشاوة، بينما هو يضع لنا الصورة واضحة وبديعة وشاملة.
{ “الترابي” في بيته؟
– يستضيفهم بنفسه، وله حضور خطير في نفوس من يجالسهم.
{ كيف يتعامل مع طلاب من جيل اليوم.. هل يفهمهم؟
– جداً جداً ويجوا مفلفلين شعرهم يتونس معاهم كأنه جزء من عالمهم، وهو من النوع الذي يستبشر بزيارة الناس بصورة غير عادية.
{ بينكم حكايات؟
– نعم مرة أحضرنا له نساء الأحزاب ومعانا فتاة مسيحية، تصور قام من كرسيه لتجلس هي، وتلك الأخت ما زالت متفاخرة بتلك المعاملة وبكته بكاءً مريراً.
{ كانت غير محجبة؟
– الشيخ “حسن” تفكيره بعيد.
{ حدثني دكتور “المتعافي” كيف كانوا يحاصرونه لمجرد شرائه سيارة (مارسيدس).. فشرح لهم فوائدها الاقتصادية دون أن يغضب منهم؟
– هو بتاع تفاصيل ويحب الحوار والنقاش كوسيلة لتبادل الأفكار.
{ رحل بهدوء وبسرعة؟
– (مين قال ليك) في بنت من بنات بري كان يناديها باستمرار ويسألها عن مقابر بري وتاريخها والمدفونين فيها من جدودها، ناداها أربع مرات يسألها عن مقابر بري، وحينما موت الشيخ كانت “عايدة” تبكي لأنها لم تفهم إشارات الترابي وأسئلته عن مقابر بري وتاريخها.
{ هل وصى بأي مكان يدفن؟
– أسال دكتور “دفع الله”، عنده كل شيء وكان في الفترة الأخيرة كثير الجلوس معه.
{ لم تمتلئ منه ومن علومه وفات؟
– مرة ونحن جماعة من نساء الأحزاب في (رمضان) طلب مني وقدام الجميع أن أكون إمامة في الصلاة، رفضت وقلت له لكني لا أستطيع أن أكون إمامة عليك، فأعطاني الميكرفون لأقيم الصلاة.
{ كان سيكون تاريخاً وأنتِ تؤمين “الترابي” مع مجموعة من الناس؟
– طبعاً.
{ هل أنتِ (ندمانة) من تلك الفرصة الفائتة؟
– (ندمانة) جداً، وكنت (جبانة) وأنا عشت في الغرب وشاهدت نساء أئمة لصلاة فيها رجال.
{ كيف كان المشهد؟
– صفوف مختلطة وبعضهن غير محجبات، وهذا ما لا يمكن أن يحصل هنا في المجتمعات المحافظة.

المجهر


‫2 تعليقات

  1. نحن حركة نخبوية، وصفوية !!

    تناول الشيخ الراحل ” محمد قطب ” تلك الفكرة في كتابه ” واقعنا المعاصر ”

    كنتم نخبة وصفوة ، ولكن شيخكم الترابي نفسه نسخها عندما نادى بفكرة ” الجبهة ” أيام الأحزاب وفتح الباب على مصراعيه فاختلط

    حابل العادي بنابل النخبوي وهاصت الحكاية ، وسمعت بعض الرواد وهم يفصحون عن عدم رضاهم مما يرونه مممن جمعتهم بهم الجبهة