تحقيقات وتقارير

اتهام السودان بتسليح حركة “سيليكا” فى أفريقيا الوسطى.. الدوافع والأهداف


شهد العالم فى السنوات الأخيرة تحولات جوهرية أدت الى تشكل عالم متعدد الأقطاب، وإزاحة القوى التى ظلت مهيمنة على السياسية الدولية، وهى القوى الغربية الإستعمارية سابقاً، والولايات المتحدة على وجه الخصوص، والتى ظلت مهيمنة على العالم منذ إنهيار الإتحاد السوفييتى، وسقوط جدار برلين مطلع تسعينيات العام الماضى.

ولا يمكن الوصول الى عالم متعدد الأقطاب من دون صراع بين القوى التقليدية وتلك الصاعدة حديثاً، ويستشهد الباحثون فى السياسة الدولية بالصراع القائم اليوم بين القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وبين القوى الدولية الجديدة التى تمثلها مجموعة دول (البريكس)، والتى تضم البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب أفريقيا، الى جانب تكتلات إقليمية أخرى كـ(النافتا) و(الآسيان) و(ميركسور).. ألخ، أمتلكت مقومات إقتصادية وسياسية مكنتها من لعب أدوار متعاظمة على الصعيدين الدولى والإقليمى وباتت يحسب لها ألف حساب اليوم.

و من المفارقات، أن تسارع لجنة خبراء الأمم المتحدة حول دولة أفريقيا الوسطى الى توجيه الإتهامات الإعتباطية الى السودان بايواء وتسهيل ودعم أفراد حركة “سيليكا”، ذلك ان السودان كان قد بادر قبل إندلاع النزاع الطائفى بدولة أفريقيا الوسطى الى تشكيل قوات مشتركة مع تشاد وأفريقيا الوسطى وذلك لضمان الأمن المتبادل على الحدود إنطلاقا من سياساته الثابتة في حسن الجوار والمصالح المتبادلة والأمن المشترك.

كما ساق بعض الدوائر عديد المزاعم: من إتهامات بايواء حركة “سيلكا” الى إيواء “جيش الرب”، وتبدو واضحة جدا الدوافع التى تقف وراء مثل هذه المزاعم.. انها لعبة الأمم والصراعات بين الدول الكبرى!

صراع داخلى
ويتجلى الصراع على النفوذ والهيمنة والسيطرة على الأسواق فى قارة أفريقيا التى تشهد تكالباً يشبه بدايات موجات الإستعمار الغربى، ولعل الصراع الذى شهدته دولة أفريقيا الوسطى كان من أشكال ذلك الصراع المحتدم.

لا يعتبر الصراع الداخلى الذى أندلع فى جمهورية أفريقيا الوسطى قبل عامين نشازاً عن السياق العام فى القارة السمراء، والتى تشهد مختلف انواع الصراعات، ولكن وتيرة ذلك الصراع والإنعطافة التى أخذها قاد ذلك البلد الى الوقوع فى أتون حرب طائفية طرفاها مسلمى ومسيحى ذلك البلد، وأستخدم الطرفان أسلحة تسربت الى بلادهم من الخارج.

وبحسب تقارير دولية، فإن تدفق السلاح الى ذلك البلد جاء من مختلف المصادر، ويؤكد تقرير صدرعن منظمة (أبحاث التسلح فى الصراع) فى يناير الجارى أن مصادر تلك الأسلحة والذخائر، كانت أروبية وآسيوية وأفريقية بشكل كبير، وكانت المفارقة التركيز على دور مفترض للسودان جرى تضخيمه فى فترات معينة من صراع فى ذلك البلد.

إتهام السودان
إتهام السودان بتسليح حركة سيليكا تقف وراءه عدة دوافع منها: توريط السودان فى ما كشفت عن لجنة الأمم المتحدة مؤخراً بوقوع تطهير عرقى واسعة النطاق، خاصة بحق المسلمين، بجانب جرائم حرب تورطت فيها حركة (سيليكا) التى تتشكل من غالبية مسلمة، وحركة (أنتى بلاكا) المسحية،ثانياً: تبرئة الأطراف الأروبية التى تشير الوقائع الى تورطها فى ذلك الصراع، خاصة الشركات الغربية التى تحاول التواجد من أجل الحصول على نصيب لها فى تلك المنطقة.

وكذلك إتهام السودان يأتى فى إطار محاولات توتير علاقاته مع محيطه الإقليمى، لا سيما الدول المجاورة له، وذلك بغرض فرض العزلة عليه، وبث بذور الشقاق والشكوك بينه وجواره، ومنع قيام أى شكل من أشكال مشاريع التعاون المشترك بما يؤدى الى تطوير علاقاته مع جواره.

والملاحظ أن نفس الطريقة التى تكون قد وصلت بها الأسلحة والذخائر غربية المصدر الى أيدى عناصر حركة (سيليكا)، ربما تكون نفس الطريقة التى وصلت اليها من السودان ودول الجوار الأخرى، وهناك أشكال مختلفة لإنتشار الأسلحة الصغيرة وأبسطها سوق السلاح المعروفة تاريخياً فى المنطقة وأفريقيا عموماً، كما أن أفريقيا الوسطى تتاخم مناطق الصراع المزمنة، فى جنوب السودان، وشمال يوغندا، والكونغو ومنطقة البحيرات العظمى، وتتسم هذه المناطق بسيولة الأوضاع على الحدود وصعوبة ضبط وتنظيم عمليات عبورها، فضلاً عن وجود شبكات منظمة تهرب الأسلحة، كما البشر والمعادن والموارد الطبيعية.

نموذج الصين
هناك إجماع على أن نفوذ الصين فى القارة الأفريقية تعاظم بشكل لم يهدد فقط نفوذ الدول التقليدية، ولكن مستقبل وجودها هناك، فى قارة تعبر اليوم مهداً للموارد الطبيعية والسوق الواعدة والأيدى العاملة الرخيصة والإمكانيات الإقتصادية المهولة.

وأدخلت الصين ذات الإقتصاد العالمى المتصاعد بصورة تثير الإعجاب حتى فى الغرب، نموذجاً للتعاون والتبادل الدولى يقوم على العدالة والإستثمار فى ما يعرف بـ”الإقتصاد الحقيقى” وهو الذى يعود بالنفع العام على مواطنى القارة الأفريقية من خلال توفير فرص العمل وتوسيع مظلة الخدمات العامة، فضلاً على تدريب القوى العاملة والطلاب على المهارات الإنتاجية المختلفة.
ويتهم الإعلام الغربى الصين بنهب ثروات القارة الأفريقية وتغذية الصراعات من خلال إدخال الأسلخة الصينية الى الأطراف المتصارعة دون التقيد بالمعايير الأخلاقية فى السياسة الدولية، ومسألة حقوق الإنسان.

سباق التسلح
إن توجيه الإتهامات الجزافية للصين والدول الصديقة لها فى القارة الأفريقية، بات اليوم نمطاً متكرراً لدى الدوائر الغربية، وتفهم دوافع تلك المخاوف المشروعة لدى الغرب من صعود الصين المدوى على مستقبل نفوذ وتأثير الغرب دولياً.

وهناك نمط يتخذه الصراع بين الغرب من جهة والصين وحلفاءها من جهة ثانية وهى سباق التسلح، أى التسابق على إحتكار سوق الأسلحة والمنتجات العسكرية التى تدر أرباحاً طائلة على الدول المصدرة لها، وظلت الدول الغربية مسيطرة على هذا السوق لكنها غدت اليوم مهددة من قبل الصين وروسيا والبرازيل والتى تتنامى قدراتها الدفاعية بشكل كبير.

إن الحديث عن إزدياد وتيرة إدخال الأسلحة والذخائر السودانية الى أفريقيا الوسطى التى كانت تشهد ذروة الصراع بين مكوناتها، بعد العام2013م، أى بعد وصول (سيليكا) الى السلطة، يهدف الى تشويه صورة السودان، وأخذت بعض الدوائر الغربية مؤخراً تتحدث عن إنتشار الأسلحة السودانية فى مناطق الصراعات، والهدف من ذلك الوصول الى هدف خفى يقلقل الدول الغربية بشكل كبير، وهو تنامى قدرات السودان الدفاعية، خاصة نجاحه فى تصنيع الأسلحة للأغراض الدفاعية داخلياً ومكافحة جماعات التمرد.

طرف ثالث
من المراقبين من يتحدث عن وجود طرف ثالث لديه مصلحة فى الإنتفاع من إشعال الحروب والإلقاء باللائمة على بعض الدول، وخاصة الدول المجاورة، كالسودان بالنسبة الى حالة أفريقيا الوسطى، ذلك أن التفسير الموضوعى والمؤشرات قد ترجح فرضيات إتهام السودان بسبب علاقاته المتوترة مع بعض الدول الغربية، ووجود مصالح ضخمة لدى الدول مع أطراف داخلية، كحركات التمرد، على سبيل المثال.

وتقوم الدوائر التى يتكون منها ذلك الطرف( والذى يضم شركات ودول و أفراد…ألخ) بتغليف (بالأحرى إعادة تغليف) الأسلحة وطمس العلامات والبيانات التى توضح منشأها، وتثبيت بيانات ومعلومات تشير الى أن المصدر هو السودان أو ترجح فرضية أن يكون السودان هو المعبر الذى سلكته تلك الأسلحة والذخائر قبيل وصولها الى أيدى الأطراف المتصارعة فى أفريقيا الوسطى.

خدمة(smc)