مصطفى أبو العزائم

“شلية” أمام نيابة أمن الدولة!!


هيئة الموانئ البحرية، عالم قائم بذاته، ودنيا بحالها، وتعدّ مسؤولة من كل عمليات الصادر والوارد سواء من ميناء “بورتسودان” وما يتضمنه من موانئ أخرى– أبرزها الميناء الجنوبي– أو الموانئ الأخرى كل حسب تخصصه، إن كان ذلك في خدمة الركاب والسلع، مثل ميناء “عثمان دقنة” في سواكن، أو بقية الموانئ المتخصصة في خدمات صادر النفط أو الماشية أو السلع والبضائع الأخرى.
هيئة الموانئ البحرية درجت ومنذ تأسيسها على نشر إعلانات لأصحاب البضائع المهملة سواء أكانت داخل حاويات أو بضائع في صناديق أو حقائب عادية أو سيارات، بسحب تلك البضائع والتي غالباً ما تخص وزارات أو شركات أو مؤسسات أو أفراداً، ولكن ما يخص الأفراد يكون قليلاً بالمقارنة مع سابقيه.
في حال عدم سحب أصحاب البضائع (المهملة) لتلك البضائع تقوم الهيئة بنشر إعلانات عن مزادات علنية لبيع البضائع المهملة في الصحف اليومية، وعلى تلك السلع الواردة من الخارج يتنافس المتنافسون.
أذكر أنه قبل نحو عام ونصف العام تقريباً، قامت هيئة الموانئ البحرية بنشر إعلانات في الصحف تحذّر فيه أصحاب البضائع المهملة من بيعها في مزاد علني إن لم يتم سحبها خلال فترة حددها الإعلان، خاصة وأن وجود تلك البضائع المهملة والحاويات كان يعرقل عمل الهيئة ويضيق مساحات الميناء وحركة العاملين، مع الإشارة إلى أن أصحاب الحاويات لم يكونوا تجاراً أو أفراداً عاديين، بل كانوا وزارات ومؤسسات وشركات.
كتبت مقالاً آنذاك أنتقد فيه التعامل بعدم مسؤولية مع قضايا الصادر والوارد، خاصة وأن تلك الحاويات كانت تضم بضائع بمئات الآلاف من العملات الصعبة، ومع ذلك فإن عقلية كثير من موظفي الدولة تتعامل بـ(سبهللية) وعدم تقدير للمسؤولية، فتُهدر الأموال والجهد والوقت في سبيل إعاقة عمل الدولة ومصالح المواطنين.
كتبت ذلك المقال في إطار هذه الزاوية بأخيرة صحيفة (آخر لحظة) التي كنت أحد مؤسسيها وأحد أعضاء مجلس إدارتها ورئيساً لتحريرها، وخاطبت السيد الدكتور “جلال الدين محمد شلية” مدير عام هيئة الموانئ البحرية مشيداً بخطوته تلك، وطالبت بفتح تحقيق في الأمر، ونشر نتائج ذلك التحقيق مع كشوفات بأسماء الجهات الموردة لتلك الحاويات.
وأذكر أن مسؤول الإعلام الأسبق بالهيئة الأستاذ “محمد أحمد عبد القادر” اتصل عليّ هاتفياً مشيداً بتناولنا للقضية، وسألني عن رأيي في كيفية التعامل الإعلامي مع هذا الأمر، وقد اقترحت عليه أن تقوم الهيئة بتنظيم ورشة عمل أو ندوة في “بورتسودان”، أو “سواكن” تتم دعوة عدد كبير من الصحفيين لها للوقوف على طبيعة عمل الهيئة، والتحديات التي تواجهها، وأن تكون تلك المعلومات مباشرة من كبار المسؤولين، ومدير الإدارات والخبراء والمختصين بالهيئة.. وقد طلب إليّ وضع تصور لتلك الندوة مع تحديد رئيس لكل جلسة طوال أيام انعقاد الندوة يكون من كبار الصحفيين الرموز أمثال أساتذتنا الدكتور “إبراهيم دقش” و”فضل الله محمد” و”محجوب محمد صالح”.
لم أتابع الأمر، لكن يبدو أن المقترح لم يتقدم خطوة لأسباب تتعلق– حسبما علمت لاحقاً– بصراعات داخل الهيئة، لكن ذلك كشف لي ما كان مخبوءاً وراء المكاتب والجدران أو حتى وراء الفواصل الزجاجية التي تفصل بين المكاتب، رغم أن مثل هذه المقترحات هو مما يعمل به داخل الهيئة التي اهتمت منذ نشأتها بتحقيق التطور، وتحديث وتعزيز القدرات في مجال صناعة النقل النهري.
نعم.. كانت هناك– ولازالت– صراعات خفية داخل ذلك العالم المتفرد والدنيا العريضة، خاصة كلما اقترب واحتد التنافس على المواقع القيادية.
لقد ظهرت قضية الحاويات والمواد المشعة التي نشرت بعض الصحف تصريحات للدكتور “جلال محمد شلية” تؤكد ذلك، وهو ما أحاله للتحقيق– حسبما نشرت الصحف أيضاً– والمثول أمام نيابة أمن الدولة للتحري في ما نسب إليه.
لا أشكك مطلقاً في أن الدفع بالدكتور “شلية” للتحقيق معه، لم يكن إلا جزءاً من الصراع الخفي داخل الهيئة، صراع يتنفس تحت الماء، وفوق، ويراه الناس مثل الأشباح على أرصفة الميناء، رغم الجهود التي بذلها الدكتور “شلية” ومعاونه وجسدوا من خلالها متلازمة التدريب المستدام لكوادر هيئة الموانئ البحرية، الهيئة التي شهدت في عهده تطوراً غير مسبوق في صناعة النقل البحري وفي مجال التجارة الإلكترونية.
الآن يسعى حزب (أعداء النجاح) وهو أكبر أحزابنا السودانية، يسعى لتحقيق هدف جديد يؤكد من خلاله سيطرته على المباراة.. وعلى الملعب معاً.
مصطفى أبو العزائم – (بعد ومسافة – صحيفة المجهر السياسي)