تحقيقات وتقارير

الخرطوم.. الفقر يدك آخر حصون الطبقة الوسطى.. حال الغلابة


حاول (حامد فضيل) وهو شيخ سبعيني، صعود بص النقل الداخلي القادم من سوق ليبيا نحو السوق العربي، لكن ابنه الشاب أثناه عن مقصده وجعله يهبط من السلم بعد أن صار قاب قوسين من المقعد الشاغر.. قبض إبراهيم و(هذا اسمه) بيد والده واتجه به نحو موقف الأمجاد التي كانت رابضة غير بعيدة ونقد سائقها عشرين جنيها وركبا ضمن خمسة آخرين، فأصبح عدد الركاب سبعة فقط، وهي سعة الأمجاد.
لم يفهم الشيخ بادئ أمره سبب رفض ابنه ركوب البص وتعريفة الراكب فيه جنيه واحد ولجوئه للأمجاد بعشرة أضعاف، ما يدفعه للأول، رغم أنهم ليس في عجل من أمرهم، إلا أنه حين علم الحقيقة صفق يداً بيد ومسح على جبينه وحمد الله !!

تقسيمات جديدة
معلوم أن مستوى النقل ودرجات الركاب تختلف حين يتعلق الأمر بالطائرات والقطارات السريعة في الدول المتقدمة، وفي بعض الأحيان تدخل البصات السفرية للولايات البعيدة في زمرة الدرجات، فهناك بصات درجة أولى وثانية وثالثة، وحتى هذا تم القضاء عليه بإدخال المداورة في الميناء البري.. تتعلق التقسيمات التي سلفت بخصوص النقل بطبقات المجتمع ومستوياتهم الاقتصادية، أما النقل الداخلي، فكان إلى وقت قريب يجلس فيه الغني بجوار الفقير والصغير مع الكبير، إلا أن هذا لم يعد على حاله في وقتنا الحاضر، فتجزأ بدورها لمستويات مختلفة جميعها تندرج تحت طبقة الفقراء، بحسب (سليمان علي) عامل ورشة بالمنطقة الصناعية الخرطوم، فهو يقطع بأنه ومن خلال مراقبة وسائل النقل الداخل أصبحت تتكشف المستويات المعيشية التي تتكون منها الطبقة الأخيرة في تسلسل طبقات المجتمع بعد الأغنياء الذين يذهبون لمقار عملهم بسياراتهم الخاصة والبقية الذين يركبون المركبات العامة، ورغم أن الذين لا يملكون سيارات خاصة يمثلون الأكثرية في المجتمع، جميعهم يستخدمون وسائل النقل نفسها كالحافلات والباصات والسيارات الصغيرة، لكن هذا الوضع تلاشى مؤخراً وظهرت تقسيمات جديدة بين هؤلاء، حيث صار البعض لا يتنقل إلا بالباصات الكبيرة وتعريفة تذكرتها جنيه واحد، وإذا لم يجد أحدهم البص بالمحطة ينتظره لساعة أو لأكثر مجبراً.

تأثيرات وتهديدات
تأثير المستويات الاقتصادية حتى على وسائل النقل الداخلي بالخرطوم تُبيِّن أن هناك من يعيشون ظروفاً بالغة السوء اقتصادياً داخل العاصمة، فحين يعجز الشخص عن التنقل بالحافلة، لأن تذكرتها ثلاثة جنيهات، فهذا يعني أنه فقير للحد الذي يجعله معدم برأي (ن – ه) طالبة جامعية فضلت حجب اسمها، وتضيف (ن –ه) أن بعض الطلاب يمنحهم أهلهم عشرة جنيهات لمصاريف اليوم، ولهذا تجدهم مضطرون لانتظار البص لساعات حتى يتجنبوا مأزق صرف كل المبلغ على المواصلات وحدها، فلابد لهم من تناول الوجبة طعام مهما كانت وضيعة، أما التنقل عبر الحافلة والهايس فلن يفكر فيه أحدهم بتاتاً. وتختم (ن – ه) بإشارة ذات دلالة، حيث تقول: لو نظر أحد لركاب وسائل النقل الكبيرة كالبصات مثلا، تجد الركاب جميعهم من العاملين في المهن الهامشية (رجال ونساء أو طلاب)، مما يعني أن طبقة الفقراء نفسها تجزأت لمستويات أشد فقراً.

فقراء النزوح
هكذا تجزأت الطبقة الأخيرة في المجتمع لطبقات صغيرة حتى شارفت على الاندثار كما وصفتها الطالبة (ن – ه) ولن يكون معالجة مثل هذا الفقر بالأمر الهيّن في نظرها، لأن هناك آلاف الأسر تدخل الخرطوم نازحة من مناطق الحروب والجفاف، وهؤلاء يأتون دون خبرة في الأعمال، ولا يملكون رؤوس أموال، ولهذا يعيشون حياة كفاف وفقر لسنوات طويلة. وتجزأ طبقة الفقراء لبطقات صغيرة أكثر فقراً لم يفقهم معناها (حامد فضيل)، وكل الذي فهمه من رفض ابنه الركوب في البص ولجوؤه للأمجاد أن البص ووسائل النقل عموماً ما عادة متساوية، كما كان في السابق، حيث يجلس فيها الموظف بجوار التجار والعامل مع الدكتور والطالب، ولهذا ضرب يداً بيد، وحمد الله على دنو أجله حتى لا يرى حدوث شيء يجعله يفقد الصواب!!

محمد عبد الباقي
صحيفة اليوم التالي


تعليق واحد

  1. كلام غير مفهوم ومجرد خرمجه ويوضح لاى مدى انحطط اليوم التالى