تحقيقات وتقارير

تشكيلها يثير التساؤلات حكومة الوفاق الوطني.. عقبات في الطريق


تتعدد المسميات والأوصاف للحكومات، وتتفاوت حسب الأوضاع، وللظروف التي أفرزتها وأبرزها حكومة انتقالية أو وفاق وطني إلى حكومة تكنوقراط أو حكومة تصريف أعمال. وقد يأتي تشكيل الحكومة نتيجة توافق سياسي أو عبر عملية ديمقراطية، أو انقلاب سلمي أو عسكري، وشهد السودان من قبل أنواعاً مختلفة للحكومات، منها تكنوقراط، وهذه الكلمة يشتمل معناها على جزئين،الأول وهو ” تكنو” ويعني التقني أو الفني، والثاني قراط” ويعني حكم الأشخاص أصحاب الخبرات والتخصصات العلمية، كما شهد السودان حكومة انتقالية أيضاً، وكانت عقب الإطاحة بحكومة المشير جعفر محمد نميري، وجلس على رأسها المشير عبد الرحمن سوار الذهب، كما شهدت فترة الديمقراطية الثالثة حكومة وفاق وطني تشكلت عقب آخر انتخابات ديمقراطية، وكان على رأسها الصادق المهدي. وأخيراً تبدو البلاد في طريقها لتكرار تجربة حكومة وفاق وطني جديدة تأتي في ظرف حساس حتم على المؤتمر الوطني تقديم تنازلات جادة ومؤلمة للخروج بالسودان من النفق الحالي بعد أن تيقن بضرورة إتاحة الفرصة للجميع للمشاركة في الحكم.

استفهامات

والبلاد تخطو نحو حكومة الوفاق الوطني كما تشير الوقائع، وقياساً على مخرجات الحوار التي وضحت جلياً من خلال توصية لجنة قضايا الحكم التي دعت للخروج بحكومة وفاق وطني تستوعب كافة الكيانات السياسية التي تنشط في الساحة السودانية، وهي كيانات متعددة ومتناسلة ضاقت بها قراطيس مسجل عام الأحزاب السياسية، إلا أن مراقبين يشيرون إلى أنه وبالرغم من وجاهة طرح اللجنة إلا أن ما يعاب عليه أنه ترك أمر تشكيل هذه الحكومة مبهماً إذ لم تحدد وصفاً واضحاً لتكوين هذه الحكومة هل ستكون حكومة مستقلين أم ستكون حكومة أحزاب سياسية، وكيفية تقسيم النسب لكل حزب، وهل ستكون وفقاً للجماهيرية والقاعدة التي تتمتع بها أم لمعطيات أخرى؟.

نبض الشارع

تساؤلات الشارع السوداني الذي يتابع عن كثب مجريات الحوار الوطني، ويمني النفس بمخرجات تصل الى حل للأزمة السودانية الراهنة حملتها “الصيحة” لعدد من المواطنين حول توقعهم للحكومة القادمة، وكيفية تكوينها، حيث يقول المواطن عمر عبد الله إن الشارع السوداني لا يطمح إلا لحكومة تعمل على حل الأزمة المعيشية بغض النظر عن كيفية تكوينها أو توصيفها، وأردف: “نحن دايرين قفة الملاح ترجع وتعود الحياة الرخية وما همانا منو اليحكم”، ذات الرأي يشاركه فيه الإعلامي لؤي اسماعيل رئيس مجموعة نجوم الميديا التي تضم عدداً من الإعلاميين الشباب والذي يقول لـ(الصيحة)، أن مسمى حكومة وفاق وطني يبدو فضفاضاً، وأكبر خطأ قد ترتكبه الحكومة الحالية هو محاولة إرضاء الأحزاب المناوئة على حساب الشعب، لافتاً إلى أن كل التغييرات في الحكومة تحت مسمى حكومة وفاق وطني ترى فيها ذات الوجوه السابقة مع استحداث عدة مناصب دستورية لإيجاد موطئ قدم للوافدين الجدد حتى وصلنا مرحلة ترهل دستوري فاق فيه عدد الدستوريين ما في دولة بحجم الصين، معرباً عن يأسه في أن تتخلى الحكومة عن عادتها السابقة في محاولة إرضاء الأحزاب الكبرى، وقال: سنري ذات الوجوه الحالية مع بعض التنقل بين الوزارات والمناصب وزيادة عدد الدستوريين والمستشارين. وبرأيه فإن الأفضل للشعب السوداني أن تتنحى الحكومة الحالية، وتشكيل حكومة تكنوقراط تقوم على مبدأ الكفاءة وليس الولاء والترضيات التي قال إنها أضرت بهذ البلد، معتبراً أن مشكلة الحكومة الأساسية تتمثل في أن التشكيل الحكومي القادم قد يأتي لإرضاء الأحزاب أو المجتمع الدولي وليس لإرضاء الشعب الذي تحمل هموماً فوق طاقته باعتراف نافذين بالمؤتمر الوطني.

وفي هذا الاتجاه يمضي عبد الله البشير الذي يعمل خبازاً بأحد المخابز قائلاً: الحكومة إن لم تقلل أسعار الدقيق وتعمل على توطين زراعة القمح بالبلاد فلا فائدة منها، وهو ما يعطي لمحة عن إجماع المواطنين الواضح حول الحكومة المقبلة فهم لا يهمهم أن تتكون من أحزاب أو أفراد مستقلين فهم يأملون في حكومة تزيح عن كاهلهم الرهق المعيشي.

لا للتكنوقراط

وفي هذا الصدد فقد عاب المحلل السياسي البروفسير حسن الساعوري على لجنة قضايا الحكم إهمالها للوصف الذي تقوم عليه حكومة الوفاق الوطني، وقال لـ(لصيحة) إن أمر تشكيل الحكومة المقبلة ترك مبهماً من قبل لجنة قضايا الحكم، معتقداً أن تشكيل الحكومة المقبلة سيلعب فيه المؤتمر الوطني دوراً كبيراً مثلما كان له دور كبير في عملية الحوار الوطني، واستبعد الساعوري أن تكون الحكومة المقبلة حكومة تكنوقراط، وقطع بعدم موافقة الأحزاب السياسية على حكومة تكنوقراط، مؤكدا أنها في أرجح الأحوال ستكون حكومة أحزاب”.

كعكة السلطة

بالمقابل يشير أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية الدكتور عبد اللطيف محمد سعيد في حديثه لـ “الصيحة” الى أنه من الأفضل للشعب السوداني أن تكون الحكومة القادمة حكومة مستقلين وأفراد “تكنوقراط”، بيد أنه لفت إلى أن هذه الحكومات لن تنجح في بلد مثل السودان، معضداً رؤيته هذه بأن الأحزاب السياسية لن تدعمها كما أن ذات الأحزاب لا يمكن تجاوزها في أي معادلة سياسية بدليل أنها دخلت إلى عملية الحوار الوطني وهي ترنو ببصرها نواحي كعكة السلطة في انتظار نصيبها منها، ويضيف سعيد أن الأحزاب القوية أو ذات القواعد الجماهيرية ـ كما يقال ـ هي التي ستشارك بقوة وستجد نصيبها من حكومة الوفاق الوطني، أما باقي الكيانات السياسية الصغيرة، فستستخدم معها الحكومة سياسة الترضيات بأن تختار منها مساعدين ومعتمدين، ولن يكون لهم وزن سلطوي بمعنى أنهم لن يعطوا حقائب وزارية ذات تأثير بعكس الأحزاب التي يقال إنها أحزاب تاريخية، وذات قواعد جماهيرية مثل الأمة والاتحادي، فمثل هذه الأحزاب ستشارك حتى تضفي على الحكومة نوعاً من الشرعية المفقودة.

أحزاب بطعم الشركات

من ناحيته يصف الدكتور محمد علي الجزولي رئيس مركز الإنماء المعرفي، المنهج السياسي الذي تتبعه الأحزاب السياسية في الساحة السودانية بالخاطئ، مستبعداً في حديثه لـ(الصيحة) أن تستوعب الحكومة هذا الكم الهائل من الأحزاب، إلا إذا رضي كل حزب بأن يكون مستوى مشاركته في الحكومة بمثابة رئيس لجنة شعبية في حي. ودمغ الجزولي الأحزاب السياسية بوصف أنها أقرب لشركات تسعى للربح، وقال إنها لا تملك برامج يمكن أن تقنع بها الشارع السوداني، وعاب الجزولي على الأحزاب السياسية أنها لا تضع برامج ولا مصلحة الشعب، فهي تتعامل بقانون الشركات في كل الأوقات، وأضاف: قانون الحظوة حاضر في التفاوض والتخاصم، وفي التأييد والموالاة، فهذه الأحزاب لا تنطلق من رؤية راشدة، فليس من الضروري أن يشارك الحزب في الحكومة طالماً أن البرنامج الذي يريده ويتبناه هناك من يطبقه على أرض الواقع، لافتاً الى أن هذا المبدأ غير موجود في منهج أحزاب البلاد السياسية، وأشار إلى عيوب هذا التفكير الذي يسهم في جعل المسترزقين يعملون على خلق واجهات سياسية ليجنوا عن طريقها أرباحاً بعد مشاركتهم في كعكة الحكومة، فليس من المعقول أن كل ثلاثة أو أربعة أفراد يكون لديهم كيان سياسي يضاربون به في سوق بورصة الأحزاب السودانية.

أكذوبة كبرى

وعلى طريق الدكتور الجزولي، يمضي أستاذ العلوم السياسية الدكتور عبد اللطيف محمد سعيد، الذي عاد ليشير الى أن الأمة والاتحادي وغيرهما من أحزاب الزعامة في الساحة السياسية السودانية يرى أنها لم يعد لديها دور، وقال إنها الآن تعيش على إرثها التاريخي فقط فليس لها وزن في الساحة السياسية وتعيش على أكذوبة أن لها قواعد جماهيرية، فهي في الحقيقة والواقع تفتقر لهذه الجماهيرية المزعومة، بدليل أن النظام في كثير من الأحيان يقوم باعتقال رؤسائها ورموزها مثل الصادق المهدي والراحل الدكتور الترابي، فهؤلاء إن كان لأحزابهم جماهير، لكان لوقع خبر اعتقالهم صدى في الساحة، ولهَبَّ مريدوهم وجماهيرهم وأخرجوهم من غياهب السجون، ويقول سعيد: سيعمد المؤتمر الوطني الى تشكيل حكومة وفقاً لهواه فهو بمثابة الحزب السوبر الآمر والناهي في الحوار الوطني، ويعتقد سعيد أنه سيكون له القدح المعلى في تشكيل الحكومة القادمة وسيعمل على تكوينها من الكيانات والأحزاب السياسية التي تقف معه في خندق واحد ويمكنه عبرها تمرير كل الأجندة التي تخدم برنامجه مع إقصاء الأحزاب ذات التأثير القوي، وهي لن يكون لها صوت بحساب فقدانها السند الجماهيري اللازم.

النص بالنص

الشرخ الذي تركته وخلفته لجنة قضايا الحكم يصفه الساعوري بالكبير في كونها لم تحدد الوصف لتشكيل حكومة الوفاق الوطني وتركت الباب مفتوحاً للتكهن بشكل الحكومة المقبلة والتي قيل إنها ستشابه النظام الفرنسي في الحكم بحيث تشتمل على رئيس جمهورية ورئيس وزراء يتم تعيينه من قبل رئيس الجمهورية. ويذهب الساعوري إلى القول إن تشكيل الحكومة ستكون غالبية الحصص فيه للمؤتمر الوطني، وعقد الساعوري مقارنة بين آلية 7+7 التي كونت بنسب متعادلة بين الحكومة والمعارضة لكل منهما 50%، فهذا الأمر يقول عنه الساعوري سينطبق على عملية تشكيل الحكومة المقبلة، فمثلما كان للمؤتمر الوطني 50% من آلية 7+7 فإنه سيكون للمؤتمر الوطني 50% من الحكومة الجديدة، والنصف الآخر ستتصارع عليه باقي القوى السياسية.

انعدام فكري وأخلاقي

يعود الدكتور محمد علي الجزولي ليجهر بقوله إن هناك عدداً كبيراً من الأحزاب لا تملك برامج ولا خططاً وليس لديها فكر، وقال إن كثيراً منها تفتقر للمؤهلات الأخلاقية والفكرية فالمنهج السياسي المتبع منذ اتفاقية الخرطوم للسلام واتفاقية نيفاشا بتكوين الكيانات السياسية مع عدم وجود برامج وأفكار هو منهج خاطئ وغير راشد جعل من تكوين الأحزاب والحركات المسلحة وسيلة للاسترزاق ومهمة ليست بالصعبة لاستنزاف مدخرات الدولة التي تقوم سياستها على اتباع منهج الترضيات لاحتواء الخصوم. الجزولي بدا غير مقتنع بمسمى حكومة تكنوقراط أو مستقلين جازماً بعدم وجود مستقلين بالمعنى الكامل للاستقلال. وقال إن كل من يدعون الاستقلال يعملون تحت غطاء مستتر أو واجهات لجهات فكرية بعينها لذا يستبعد دكتور الجزولي تكوين حكومة مستقلة بالبلاد. وضرب مثلاً بالنائب في الدول المتقدمة مثل كندا فهو ليس لديه أجر ولا راتب، ويعمل في خدمة المواطن أو الشعب، ولكن إذا نظرت الى المنصب السياسي في السودان فإنه يدفع فيه الملايين لبرامج انتخابية وذبائح وصرف بذخي لأنه بوابة الدخول إلى الشركة التي ستدر ذهباً على النائب الجديد. لذا من المتوقع أن تكون الحكومة القادمة حكومة أحزاب بطعم الشركات الربحية.

 

 

الصيحة