الطيب مصطفى

مرة أخرى ..عودة الوعي !


إذا كنا قد كتبنا بالأمس عن عودة الوعي إلى الحكومة من خلال قرارها معاملة الجنوبيين كأجانب والتي جاءت متأخرة تماماً، كتلك العودة المباركة التي أفضت إلى تقرير المصير ومن ثم الانفصال بعد عقود من الدماء والدموع، فإن قياداتنا السياسية ما انفكت تكرر أخطاءها الفادحة التي يسدد شعبنا المغلوب على أمره فواتيرها الباهظة، كما يدفع السودان ثمنها تخلفاً وتقهقراً في عالم يمور بالحركة الفاعلة نحو ذرى التقدم والمجد والسؤدد.
فتحنا الحدود وأعدنا النظر في أسعار عبور النفط عبر أراضينا تخفيفاً على دولة الجنوب، واستقبلنا ملايين الجنوبيين الذين ما زادونا إلا خبالاً، نحن الذين نعاني من شح في شتى أنواع الخدمات التي لا أحتاج إلى بيان تفاصيلها لشعب ذاق الأمرّين صبراً واحتساباً .
قبل أن يجف مداد قرارات (إسعاف) الجنوب المتضور جوعاً ومسغبة بالقرارات المدهشة ، ولا أقول المجنونة ، تأتي ، ربما للمرة المليون ، الطعنة النجلاء من حكومة الجنوب تآمراً على السودان وتسعيراً للحرب ودعما للمتمردين.
لكن بربك أي دولة في العالم تلك التي تفتح حدودها للأجانب بالملايين حتى لو كانت في قوة الاقتصاد الأمريكي أو الألماني؟
رأينا كيف تعاملت أوروبا مع أزمة اللاجئين السوريين، وكيف رفضت دول كالمجر استقبال سوري واحد، وكيف أغلقت اليونان حدودها بعد أن بلغ السوريون سبعين ألفاً، وكيف تدنت شعبية المستشارة الألمانية ميريكل بسبب تعاطفها مع السوريين؟، أما نحن الذين نعاني من أزمات الغاز والمياه والكهرباء والتعليم والصحة والدقيق، وغير ذلك فخليها على الله .. لا أحد يدرس تأثير الهجرات سيما القادمة من تلقاء الجنوب المعادي والذي يتربص بنا ويتآمر والتي توشك أن تغرق السودان في بحر لا ساحل له ولا قاع.
اقرؤوا تصريحات الفريق أحمد التهامي رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان والذي قال إن السودانيين في دولة الجنوب الآن يتعرضون لتصفيات جسدية، مشيراً إلى اختفاء أسر سودانية كاملة لا أحد يعلم شيئاً عن مكانها، مقارناً ذلك بما يلقاه الجنوبيون من كرم ضيافة وحسن استقبال في السودان، وقد كتبنا قبل أيام عن الحريق الذي تعرضت له متاجر السودانيين في سوق البيبور والتضييق والاعتقالات التي اضطرت التجار إلى الاستغاثة بالأمم المتحدة التي هربوا إلى مقراتها واحتموا بها من البطش والتنكيل والتقتيل.
لا أظن أن عاقلاً يرفض إقامة جوار آمن ومستقر وسلمي مع دول الجوار بما فيها دولة الجنوب، لكن بربكم حدثوني عن جوار ينضح بالشر منذ ما قبل الاستقلال غير الجنوب الذي لا يزال يحتضن الحركات المتمردة التي تشن الحرب على السودان في جنوب كردفان والنيل الأزرق، وهل نسيت ذاكرتنا ما حدث في أبو كرشولا وهجليج وغيرهما، وهل ننسى العلاقة الاستراتيجية بين الجنوب الذي لا يزال يحمل حزبه الحاكم اسماً عدوانيا (لتحرير السودان) كما لا يزال تابعوه في قطاع الشمال يحملون اسمه وينتسبون اليه؟
كل هذا وغيره يجب أن يصحح هذه المرة أما الجنوبيون فإنهم أجانب مثلهم مثل الآخرين الذين يحملون جنسيات دول أخرى، فكفانا تهاوناً واحتقاراً لسيادتنا الوطنية وكرامتنا وأمننا القومي.
الطيب مصطفى – (زفرات حرى – صحيفة الصيحة)