حيدر المكاشفي

الكورة قبل المقصورة أو البشر قبل الحجر


سمعت مرة الكابتن الفذ عمر التوم، أحد أبرز وأخطر من أنجبتهم الملاعب السودانية وهو يبرر بقوة معارضته القوية للنفرة التي كانت تعتزم إحدى الجهات تنظيمها لاستقطاب الدعم لإكمال بناء إستاد الموردة، كان عمر يرى محقاً أن الدعم لو وجد أولى به فريق كرة القدم الذي تدهور وتهلهل وتفكك حتى هبط من الدوري الممتاز إلى الدرجة الأدنى، ولم يقوَ على الصعود مجدداً منذ أن هبط قبل ثلاث سنوات، وهذا حال مؤسف ودرك لا يليق بفريق الموردة العريق صاحب التاريخ والصولات والجولات، الذي كان يمثل الضلع الثالث لمثلث الكرة السودانية، ورؤية عمر كانت تستند إلى أن بناء البشر مقدم على بناء الحجر، وتلك لعمري رؤية تنموية صحيحة جداً، فالبشر هم الثروة الحقيقية لأي أمة، وأيما تنمية في أي مجال يشكل الإنسان رأسمالها الحقيقي، بل هو لحمتها وسداتها وساسها ورأسها وأساسها، وعليه فإن بناء البشر وتطوير مقدراتهم يفترض أن يكون مقدماً وسابقاً على أي بنيان آخر، وكي يعزز كابتن عمر صحة نظرته هذه بمثال عملي، كان قد تنبأ بأن الجوهرة الزرقاء التي يجتهد الكاردينال رئيس الهلال في بنائها لن تشفع له رغم ضخامة الإنجاز مع أول هزيمة يتجرعها الهلال من نده المريخ، وقد صدق فها هي الجوهرة لم تشفع للكاردينال بعد أول هزيمة أطاحت بالهلال من الأدوار الأولى في بطولته القارية المحببة التي يفارقها أسيفاً كسيراً لأول مرة منذ ثلاثة عشر عاماً مضت، فالجماهير اليوم وبعد خروج فريقها المذل نسيت الجوهرة وبناء الجوهرة وصار كل همها منصباً تجاه الفريق وضرورة الالتفات إليه كليةً من أجل بنائه وتدعيم صفوفه، وفي البال كذلك هتاف جماهير المريخ الشهير ضد انكباب إدارة فريقهم في وقت سابق وانشغالها بالمباني في مقابل سوء أداء فريق الكرة، وتواضع نتائجه (عايزين كورة ما عايزين مقصورة)، وليس بعيداً عن ذلك وصف (علبة الكبريت) الذي أطلقه الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك على مبنى قناة الجزيرة حين تضجر من انتقاداتها الكثيفة والعنيفة لنظام حكمه، والجزيرة وقتها كانت تبث برامجها من مبنى غاية في البساطة أشبه بـ(الهنقر)، ورغم ذلك كان يخرج منها ما يهز عروش الجبابرة…
لسنا ضد الجوهرة الزرقاء بل العكس، فنحن معها قلباً وقالباً، ونثمن عالياً جهد الكاردينال وبذله السخي من أجل أن تشمخ لتحدث عن شموخ الهلال وعطاء أحد أبنائه، ولكن حين يصبح الاهتمام والانشغال بها لدرجة أن تكون هي إلى جانب عوامل أخرى من أسباب الخيبة التي مني بها فريق الكرة، كان لا بد لنا أن ننبه إلى خطورة الاهتمام بالحجر على حساب البشر، والحديث هنا يطول وحسبنا منه فقط الإشارة إلى أن الجهد الإداري خلال الأسبوع السابق لمباراة الخيبة، كان مكرساً بالكامل للجوهرة وأبراج الإضاءة وما أدراك ما الإضاءة، ولا ذكر للفريق حتى غرق..

(حيدر ألمكاشفي – بشفافية – صحيفة التغيير)