مقالات متنوعة

هنادي الصديق : الاعتذار واجب


* أثار العمود الذي كتبناه في هذه المساحة قبل يومين تحت عنوان (قرار مفاجئ) ردود أفعال متباينة، ولكن معظمها كان مؤيداً، بينما الآراء الأخرى تنفست حروفها عبارات العنصرية الكريهة، وهي ذات المفردات البغيضة التي أرجعتنا عشرات السنين إلى الخلف.
* وكنت لآخر لحظة أعتقد أن هذه الآراء هي لأفراد فقط، إلى أن فاجأنا بيان هزيل، لا طعم ولا لون ولا رائحة فيه، لهيئة علماء السودان، ينضح بالتحريض والكراهية البغيضة ولا يمت لتعاليم ديننا الحنيف بصلة، بيان أشبه بالبيان السياسي وليس الخطاب الديني السلمي، حيث جاء فيه): ثمنت هيئة علماء السودان القرار الذي أصدره مجلس الوزراء مؤخراً والذي قضى بمعاملة الجنوبيين كأجانب على خلفية تورط حكومة الجنوب في دعم حركات التمرد الأمر الذي أدى لنزوح أكثر من مائة ألف مواطن للولايات الأخرى أغلبهم من الشيوخ والنساء والأطفال).
* هذا جزء من البيان الذي يأتي بأسباب لم نسمع بها من مجلس الوزراء صاحب القرار وهي أحداث جبل مرة، ما يعني أن هؤلاء حشروا الدين في السياسة.
* بهذا البيان وغيره من البيانات الضعيفة وغير الموفقة في اعتقادي الشخصي فإن هيئة علماء السودان فقدت عندي (على الأقل) أي نوع من أنواع الاحترام والتقدير لآرائها، وبذا لا أحد يمكن أن يجعل لما تقوله أدنى قيمة، لأنها لا تبادر بنصح الحكومة، بل تنتظر قرار الحكومة ثم تردده وتطبل له، وأكبر دليل ذلك هو صمتها حين يتوجب عليها النصح والإرشاد للحكومة قبل المواطن.
* فإن كانوا هم علماء دين وإسلام حقاً، فلماذا صمتوا عن القروض الربوية ولماذا صمتوا عن قضايا الاغتصاب التي يتعرض لها الأطفال يومياً، ولماذا لم نسمع لهم صوتاً عندما فاحت روائح الفساد التي عرفت فيما بعد بقضايا التحلل، ولماذا لم يصدروا بياناً يشجب ما ظلت تتحدث عنه الصحف يومياً حول وصول حاويات المخدرات التي أطاحت بعقول الشباب، ولماذا صمتوا عن احتلال إثيوبيا لأراضي الفشقة واحتلال المصريين لحلايب وشلاتين، وغيرها من القضايا التي تستوجب النصح بدلاً عن تأجيج نيران الكراهية ضد شعب مسالم لا يد له فيما تفعل حكومته.
* ما حدث لشعب جنوب السودان، من الممكن أن يحدث لشعب السودان لا قدر الله، ودوام الحال من الحال، فهل في هذه الحالة سنقبل أن يُهان شعبنا من حكومة أي دولة نسعى للاحتماء بها من نيران الحرب أو الجوع لا قدر الله؟
* ولماذا لم يرتقِ السادة المبجلون في هيئة علماء السودان لمستوى ما فعله (الكفار) تجاه المسلمين وهم يحتضنون اللاجئين السوريين واليمنيين النازحين من بلادهم بسبب الحروب بكل رحابة صدر ويبدأون في دمجهم في المجتمع الأوربي ليكونوا جزءاً لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي لتلك الدول (الكافرة)، ولم يقولوا هؤلاء أعداء المسيحية أو أعداءنا مثلاً؟
* أبناء الجنوب اختاروا الانفصال بناء على الجنة الموعودة التي وعدتهم بها النخب سواء أكان بالشمال أو الجنوب، ولا أحد عاقل ينكر أن انفصال الجنوب جاء مرتباً ومتوافقاً عليه من النخب الحاكمة من شماليين وجنوبيين مقابل صفقة معلومة الثمن.
* شعب الجنوب في معظمه شعب بسيط، أراد أن يعيش عيشة كريمة ويعامل كـ(بني آدم طبيعي) في دولة هو سيد فيها وليس (عبد أو خدام) وهو النمط الذي كان سائداً، ولا زال في عقول الكثير من الجهلاء، ومن حق شعب جنوب السودان أن نعتذر له عما بدر منا في الماضي من استعباد ونهب ثروات، وأبسط شئ يمكن أن نقدمه له هو أن يعيش بيننا ويتمتع بذات الحقوق التي نتمتع بها وغير ذلك.
هنادي الصديق – (بلا حدود – صحيفة الجريدة)