مقالات متنوعة

نجل الدين ادم : سياسة إطفاء الحرائق لا تجدي!!


استوقفني (أمس)، خبر عودة (10) آلاف طالب سوداني من معسكرات اللاجئين بدولة تشاد بعد رفض الحكومة التشادية تدريسهم بالمنهج السوداني وهم في النهاية سودانيون أجبرتهم ظروف الحرب في دارفور على مغادرة بلدهم، فبموجب هذا القرار التشادي باتوا أمام خيارين، إما أن يعودوا إلى الموطن مغادرين هذه المدارس التي لا تقدم لهم أدنى ما يتواءم مع المنهج السوداني، أو أن يمكثوا هناك ويدرسوا المنهج التشادي، وحسناً أن كان الخيار هو عودة الطلاب سالمين.
عدد عشرة آلاف طالب، أربعة آلاف منهم في مرحلة الثانوي وستة آلاف في الأساس عدد كبير إذا ما قورن بإمكانات ولايات دارفور التي ما يزال يعاني بعضها مشاكل في الإجلاس والكتاب المدرسي وقائمة المطلوبات الأخرى المعروفة.
من حق تشاد أن تتمسك بتدريس هؤلاء الطلاب السودانيين بمنهجها سيما وأنني عرفت أن هناك اتفاقية تعطيها هذا الحق إذا ما تطاول مكوث اللاجئين لعدد من السنوات لا أعرفها تحديداً، وهنا ينبغي على الحكومة أن لا تلوم إنجمينا على هذا الإجراء بوصفه واحداً من الحقوق التى تكفلها الاتفاقيات الموقعة بين البلدين.
مشكلة الحكومة أنها دائماً ما تتعامل مع الأشياء بمهلة يمكن أن ينعكس أثرها السالب على طالب الخدمة أو المواطن، مثلاً وزارة التربية بوصفها الجهة المختصة المسؤولة عن ملف هؤلاء الـ(10) آلاف طالب، تعرف جيداً أنه وبموجب الاتفاق مع دولة تشاد لن يدوم وضع الطلاب السودانيين الذين يدرسون المنهج الوطني هناك، وأن تطاول السنين يعطي الدولة المستضيفة حق منع تدريس المنهج الأجنبي في بلدها، ولكنها لم تعد العدة لذلك وتعمل على تهيئة الوضع لإعادة هؤلاء الطلاب واستيعابهم في البلد بالتنسيق مع الأجهزة العليا في الدولة، أو أن تبحث عن مخرج قانوني مع الدولة المستضيفة حتى لا تهدر مستقبل هؤلاء الأبرياء.
تعقيدات تسكين هذا الكم من الطلاب كثيرة، فهناك جانب لوجستي يكلف الحكومة أموالاً طائلة لا يمكن بالتأكيد توفير المال الكافي بين الحين واللحظة، كذلك هناك جانب اجتماعي في كيفية توزيع هؤلاء كل في قريته أو مدينته، وجانب إنساني يضمن توفير القوت وغيرها من الجوانب، أمس الأول أصدرت وزارة التربية قراراً بتشكيل لجنة عاجلة لمعالجة أوضاع هؤلاء الطلاب العائدين من تشاد واتخاذ الترتيبات اللازمة لاستيعابهم في الولايات، وهنا أقول إن الموضوع ليس مجرد تسكين فحسب، بل الموضوع له تبعات كثيرة تتطلب قدرة الترتيب والتهيؤ، فهو أكبر من إمكانات الولايات ويحتاج لقدر كبير من التنسيق والإحكام، لجنة وزارية لن تجدي شيئاً وستكون مقترحات المعالجة التي تخرج بها محدودة النظر في ظل عدم التنسيق مع الوزارات الأخرى ذات الصلة مثل وزارة ديوان الحكم الاتحادي بوصفها الجهة المنسقة بين مستويات الحكم، وكذلك وزارة المالية والسلطة الإقليمية لولايات دارفور، وكذا وزارة الرعاية الاجتماعية والأجهزة الأمنية المختلفة، كل هؤلاء ينبغي أن يكونوا جزءاً أصيلاً من هذه اللجنة، حتى تتمكن الوزارة من تدارك هذه الإشكالية ومعالجتها بالنحو الذي يضمن لكل الطلاب فرص الدارسة كحق كفله لهم الدستور ويقع على عاتق الحكومة.. والله المستعان.
نجل الدين آدم – (مسألة مستعجلة – صحيفة المجهر السياسي)