مصطفى أبو العزائم

عاش “البطل” لكشف المزيد..!


وأما البطل المعني في العنوان أعلاه بين علامتي التخصيص، فهو صديقنا الكاتب الراصد الدقيق صاحب القلم الرشيق، والمفردة الراقصة حتى في مواقع الأحزان، الدكتور “مصطفى عبد العزيز البطل”، والذي أعده – شخصياً – من أفضل الكُتاب الصحفيين السودانيين، سواء في مجال الرأي أو التحليل أو المقال المتضمن لمعلومات تاريخية أو استقراء لوقائع محتملة.. وكنت أراه دائماً في قائمة أفضل عشرة كُتاب سودانيين، وإن تقلصت القائمة إلى النصف كان من بين الخمسة الأوائل، وإن تقلص إلى ثلاثة كان من بينهم.
أتابع ما يكتبه صديقنا الدكتور “مصطفى البطل”، وأحرص على ذلك لأن للرجل علاقة قوية بمراكز اتخاذ القرار في فترة مهمة من تاريخ السودان، وعمل بمجلس الوزراء في فترة كانت بلادنا تشهد خلالها تحولات جذرية في توجهاتها العامة من أبرزها إعلان الرئيس الراحل “جعفر محمد نميري” – رحمه الله – لتطبيق الشريعة الإسلامية في سبتمبر من العام 1983م.
ولأن “البطل” كان قريباً من الشيخ “حسن الترابي” فقد كشف أن الشيخ إبان توليه مهام ومسؤوليات دستورية إبان فترة حكم الرئيس الراحل “النميري”، لم يكن يتهيّب مخاطبة الحاكم، بل كان يناديه أمام الكثيرين باسم (الكشاف الأعظم) فيقول له – مثلاً – اليوم الكشاف الأعظم عنده شنو؟ وذلك لقب أطلقه عليه المجلس الأعلى للكشافة والمرشدات بصفته راعياً له.
لكن أخطر ما كتبه “البطل” كان حول غرور الشيخ “الترابي”، وغيرته من بعض أقرانه وأنداده من الساسة، أو من أولئك الذين طرحوا أنفسهم كقيادات مجتمعية أو كمفكرين سياسيين.. ولم يكن هناك ما هو أخطر من ذلك إلا ما كتبه عن موقف الشيخ الدكتور “حسن عبد الله الترابي” من إعدام زعيم الحزب الجمهوري الراحل الأستاذ “محمود محمد طه” – رحمهما الله – فقد كشف ولأول مرة في (هوامش من دفاتر ترابية) تحت عنوان (أفكار مدببة ومواقف مسطحة) بأخيرة الغراء (السوداني) قبل أيام أن الدكتور “الترابي” كان ضد إعدام الأستاذ “محمود محمد طه”، لكنه لم يرد أن يقف ضد تيار جارف داخل التنظيم آمن بل وطالب بضرورة إعلام الأستاذ “محمود محمد طه”.
عشنا تلك الفترة، ووقفنا نحن غالبية الصحفيين والمحررين في صحيفتي (الأيام) و(الصحافة) ضد إعدام الأستاذ “محمود محمد طه”، بل إن كلمتي رئيس تحرير الصحيفتين خرجتا قبيل إعدام الرجل تطالبان بوقف الإعدام، وهو موقف تبناه أستاذنا الراحل المقيم “حسن ساتي” وآزره فيه أستاذنا الكبير “فضل الله محمد” – مد الله في أيامه – وكانت الأغلبية الغالبة من العاملين في الحقل الصحفي آنذاك ضد ذلك القرار.
ليلة صدور الحكم، توجهت مع الزميل الأستاذ “نجيب نور الدين” إلى منزل الأستاذ “محمود محمد طه” في الحارة الأولى بمدينة الثورة، فوجئنا بأن قيادات سياسية كانت هناك من بينهم الدكتور “مالك حسين” وآخرون، لكن المفاجأة الأكبر كانت تتمثل لنا في حملة الاعتقالات الواسعة التي شملت أعضاء الجماعة، إذ توقفت عشرات (البكاسي) أمام المنزل وعليها ضباط وأفراد من جهاز الأمن لاعتقال كل من كان داخل المنزل ليلتها، ولم نكن قد بلغنا باب المنزل بعد، لكننا شاهدنا الكثيرين يصعدون طوعاً إلى (بكاسي) الاعتقال.
بعد حملة الرئيس “نميري” – رحمه الله – قبل غروب شمس نظامه بقليل على قيادات الحركة الإسلامية وعضويتها استطاع عدد من الصحفيين المتابعين للأحداث أن يفسروا لماذا تم تنفيذ حكم الإعدام على زعيم الجمهوريين الأستاذ “محمود محمد طه”، وحرص النظام على أن يبرز مشاركة الدكتور “الترابي” ضمن آخرين لحظة إعدام الأستاذ داخل فناء سجن كوبر.. لقد أراد النظام أن يحمل الحركة الإسلامية والدكتور “الترابي” مسؤولية إعدام الأستاذ “محمود محمد طه”، ثم يعمل على تفكيك وتصفية الحركة الإسلامية التي نسبها إلى الإخوان المسلمين الذين كان يقول عنهم آخر أيامه إنهم إخوان الشياطين.
تحية لصديقنا الدكتور “مصطفى عبد العزيز البطل” الذي قال لي البروفيسور “علي شمو” قبل أيام قليلة إنه مندهش من هذه الذاكرة الحية، وقال إنهم عقب إعلان تطبيق الشريعة عام 1983م، قاموا ضمن وفد رسمي للمملكة العربية السعودية لشرح أبعاد القرار، وقال إنه فوجئ بـ”البطل” ينشر بعض ما جاء في تلك اللقاءات.. وقد كان ضمن سكرتارية الوفد.
مصطفى أبو العزائم – (بعد ومسافة – صحيفة المجهر السياسي)