تحقيقات وتقارير

سوريون في السودان .. وقفة السودانيين تبدد الوحشة


نساء سوريا: وقفة السودانيين تبدد الوحشة
أم شاكر تقهر الظروف عقب رحيل زوجها المفاجئ

أم مريم تتمسك بالبقاء في السودان رغم المصاعب
سورية: وجدت نفسي وأولادي دون سند في بلد غريبة

نسيبة الأيوبي.. قوة تتحدى الصعاب

حينما فرضت الحرب التي اندلعت بسوريا في عام 2011 على الكثير من الأسر مبارحة أرض الأجداد، فإن أم شاكر لم تجد غير ركوب أمواج المجهول بحثا عن موطن آمن تستطيع من خلاله تربية أبنائها الخمسة برفقة شريك عمرها، فكان أن وقع اختيارها بعد تفكير عميق على السودان، الذي يمموا صوبه ويحدوهم الأمل في مواصلة مشوار الحياة رغم العقبات والآهات والجراحات حتى يتمكنوا من توفير أسباب الحياة الكريمة لأبنائهم، وكان في تخطيطهما إنشاء معمل لإعداد المواد الأولية للقهوة بالإضافة إلى صنع الحلويات، وعندما كانا في طور الإعداد لمشروعيهما جاءت الرياح على عكس ما تشتهي أم شاكر، وذلك حينما فارق زوجها الحياة دون مقدمات، إثر علة لم تمهله طويلا، لتواجه بعد ذلك ظروفا قاسية لم تهن من عزيمتها ولم تنل من قوة إرادتها، وأم شاكر نموذج للمرأة السورية بالسودان، حيث تتفاوت أوضاع السوريات، إلا أن القاسم المشترك بينهن محاولة إثبات وجودهن والتكيف مع الحياة الجديدة بأرض النيلين.

أم مريم.. عندما يختفي الزوج
حالة أم مريم لا تشبه غيرها فهي لم تفقد زوجها بسبب الحرب في سوريا، تقول عندما كنا في سوريا كنت أعيش على وفاق تام مع زوجي وهو سوداني الجنسية، وكان يحترمني واحترمه ونعيش حياة بسيطة لكنها سعيدة، وعندما بدأت الأوضاع تسوء في سوريا يوما بعد يوم اقترح زوجي أن نسافر السودان حيث أهله وأصدقائه وجيرانه، وافقت على طلبه لأن المرأة يجب أن تعيش مع زوجها أينما كان، حضرنا إلى السودان برفقة ابنتنا مريم وكنت حاملا في شهري الثاني وبعد أسبوع من وصولنا السودان أخبرني أنه يريد الذهاب للقاء أهله بإحدى الولايات السودانية الغربية، وسوف يعود بعد ذلك لاصطحابنا، ولكن حتى الآن لم يعد بعد وانقطعت أخباره عنا تماما وقد وضعت طفلتي الثانية، وضع السكن حيث تعيش أم مريم وطفلتاها يبدو صعبا لأنها تعيش في منطقة شعبية بأم درمان وفي منزل يحتوي غرفة واحدة فقط، وتضيف: كثيرا ما حاول اللصوص التسلل إلى المنزل وهذا الأمر جعل النوم يجافي جفوني خوفا على صغيراتي، وقبل فترة ليست بعيدة حاول أحد اللصوص التسلل إلى المنزل ولكن حال الجيران من أهل الخير بينه واقتحام منزلي.

وتعود أم مريم وتقول: من فضل الله علينا أن جمعية إغاثة العائلات السورية مدت لنا يد المساعدة في مجالات متعددة وخففت علينا الصعاب أنا وطفلتي، ولكن رغم ذلك حاولت العمل كثيرا حتى لا احتاج لأحد أو اسأل الناس ولكن فرص العمل ضئيلة جدا وتختم كلامها بدموع ممزوجة بآهات لا يستطيع أحد أن يكفكفها وتقول: اتمنى أن أعود إلى بلدي حيث أهلي وإخوتي ولكني لا استطيع بسبب طفلتي فإني احتاج إلى موافقة والدهما حتى استطيع السفر وأنا لا اعرف عنه شيئا.

نجاح رغم العقبات
الحياة مليئة بالمشقات والعقبات إلا أنها في ذات الوقت لها وجه آخر، فعندما نمعن النظر ونتصفح سيرة السورية نسيبة الأيوبي يتضح لنا أنها تجسد نموذجا يحتذى به ومضربا للمثل للمرأة السورية المناضلة والناجحة والتي أبت إلا أن تكون لها بصمة في المجتمع، وفي لقاء معها أخبرتنا عن تاريخها الطويل في العمل ولكن الملفت للنظر هو تكريس معظم وقتها لمساعدة السيدات السوريات بالخرطوم اللائي تمنعهن ظروفهن من العمل أو التنقل فحكت تجربتها قائلة: توترت الأوضاع في دمشق وأصبحت الحياة فيها صعبة، الخوف كثير والقلق كبير، فقررنا أن نسافر إلى السودان لنفتح مشروعا صغيرا ومن خلاله نعمل على مساعدة السوريات، وبالفعل افتتحنا ومعي زوجي محلا صغيرا يحوي منتجات من صنع نساء سوريات موجودات في الخرطوم وذلك لمساعدتهن في الترويج لما يصنعنه، بالإضافة إلى توفير دخل ثابت لهن، وهذا العمل قادنا إلى إطلاق حملة “سوريا الخير لدعم المنتج النسوي السوري”، وقمنا بتنظيم عدد من المعارض لعرض منتجات السيدات السوريات والتسويق لها، وأتاحت لنا المعارض فرصة جيدة صبت في قناة تطوير المنتج السوري وتحسينه حتى يصل إلى المستهلك على درجة عالية من الجودة، ولم نكتف بهذا فحسب بل كنا نوفر المواد الخام للسيدات المنتجات ونمارس في ذات الوقت دور الترويج لهذه المنتجات عبر المعارض، ووقفت إلى جانبنا في هذا العمل رابطة المرأة السورية بالسودان، ونسيبة الأيوبي التي تجسد الجانب المشرق للمرأة السورية التي اشتهرت منذ القدم بالإسهام والإنتاج والتأثير الإيجابي في الحياة، لم تكتف بما تقدمه من أدوار في مساعدة النساء المنتجات من بني جلدتها، بل تفرد أيضا حيزا كبيرا من وقتها لاهتمامات خيرية أخرى حيث تتولى مسؤولية ملف التعليم السوري بوزارة التربية والتعليم في السودان، كما أنها مديرة مركز إبداع للتربية القرآنية بالإضافة إلى كونها مدربة في الخلاوى القرآنية السودانية والمعسكرات الجامعية.

تجربة لم تنجح
حينما فرضت الحرب التي اندلعت بسوريا في عام 2011 على الكثير من الأسر مبارحة أرض الأجداد، فإن أم شاكر لم تجد غير ركوب أمواج المجهول بحثا عن موطن آمن تستطيع من خلاله تربية أبنائها الخمسة برفقة شريك عمرها، فكان أن وقع اختيارها بعد تفكير عميق على السودان، الذي يمموا صوبه ويحدوهم الأمل في مواصلة مشوار الحياة رغم العقبات والآهات والجراحات حتى يتمكنوا من توفير أسباب الحياة الكريمة لأبنائهم، وكان في تخطيطهما إنشاء معمل لإعداد المواد الأولية للقهوة بالإضافة إلى صنع الحلويات، وعندما كانا في طور الإعداد لمشروعيهما جاءت الرياح على عكس ما تشتهي أم شاكر وذلك حينما فارق زوجها الحياة دون مقدمات، إثر علة لم تمهله طويلا، وبوفاة الربان اختل توازن سفينة أسرة أم شاكر إلا أنها تمكنت من مصارعة أمواج الحياة بالخرطوم، رغم حداتة تجربتها وتمكنت من الصعود واستعادة رباطة جأشها وهي تعتصر ألم رحيل شريك حياتها، وتسرد قصتها قائلة: وجدت نفسي وأولادي دون سند في بلد غريبة التفاصيل علينا ليس لنا فيها إلا الله، ولم تكن هناك إمكانية لعودتي إلى سوريا لأننا لم نكن نملك ما يعيننا على مواجهة تكاليف العودة، رغم فقدنا لوالدنا لكن لم نصب باليأس، وقررت أن أواصل مسيرته في تربية الأبناء، وبجانبي ابني شاكر الذي كان يدرس في السنة الثالثة بكلية الطب بدير الزور بسوريا، ورغم أن حلمه كان إكمال دراسته حتى يصبح طبيبا، إلا أن ظروف رحيل والده فرضت عليه مبارحة محطة الأحلام المستقبلية ومواجهة الواقع بكل تفاصيله الأليمة والمرهقة وذلك حتى يساهم معي في تربية إخوته، فاتجه للعمل في أحد محال بيع الألبان والأجبان براتب متواضع سعى لزيادته عبر العمل معظم ساعات اليوم ولهذا بات يأتي إلى المنزل بحي الأزهري يوم الجمعة فقط، وتشير أم شاكر إلى أنها سعت إلى زيادة دخل الأسرة لمواجهة منصرفات الحياة وذلك عبر تنفيذ مشروع صغير يتمثل في طحن البن وبيعه بكميات محدودة، بالإضافة إلى تصنيع الحلويات السورية، ورغم الظروف القاسية التي تكابدها أم شاكر إلا أنها تبدو متمسكة بالأمل وأن الغد سيأتي أفضل حالا. وتقول: رغم فقداني لزوجي وابتعاد ابني بسبب العمل إلا أنني متمسكة بالأمل لثقتي في الله ولن تتوقف جهودي الرامية لتوفير حياة كريمة لأبنائي اتمنى أن ننجح في إدارة معمل طحن البن وصنع الحلويات حتى يصبح مشروعا كبيرا يوفر لنا ما يعيننا على مجابهة تكاليف الحياة.

تجربة شابة
كثيرة هي القصص التي تسردها السوريات المقيمات بالخرطوم، بعضها يحمل بين طياته قدرا وافرا من الحسرات على الظروف الصعبة التي يواجهنها، وأخرى تحوي إشراقات تؤكد على أن المرأة السورية وبفضل قوة إرادتها نجحت في تخطي الصعاب، وهنا تشير شابة سورية إلى أنها وفي بداية وجودها بالسودان واجهت صعوبات في الحصول على وظيفة، فاتجهت إلى ضرب آخر بعيدا عن تخصصها وذلك لتوفير دخل مادي وذلك عبر تصنيع عدد من المواد الغذائية الجاهزة التي لا تنتجها المعامل والمصانع السودانية وتعد من المنتجات الغذائية التي يفضلها السوريون، وماتزال هذه الشابة تواصل مسيرتها على أمل أن تضع بصمتها في مختلف المجالات بالسودان الذي تدين له بالوفاء، وتؤكد أنها ورغم شوقها وحنينها إلى سوريا إلا أنها وجدت فيها الاحترام والتقدير.

رابطة المرأة وجهود مقدرة
تأسست رابطة المرأة السورية في السودان عام 2012 إثر جهود مجموعة من السوريات المقيمات في السودان منذ فترة طويلة، وكان الهدف من إنشاء الرابطة هو توفير فرص عمل ومشاريع مدرة للدخل للنساء السوريات بالخرطوم، ومن ضمن المشاريع الرائدة التي نفذتها الرابطة مشروع “مطبخ حواء سوريا” وهنا تشير رئيس الرابطة آمنة ياسين إلى أن الهدف من تأسيس مطبخ حواء هو تأمين فرص عمل لعدد من السيدات السوريات، وتشير إلى أن عدد 31 امرأة عملن في هذا المشروع واستفدن منه، وأكدت أن المشروع يمضي في تطور وتوسع متواصل، وأشارت رئيس الرابطة إلى أن وجود عدد من الأنشطة التي نفذتها الرابطة خلال الفترة الماضية ومنها إقامة معرض المنتجات السورية بأم درمان، وأوضحت أن الرابطة تطوعية وليست ربحية، ولفتت إلى تخطيطهم لإقامة مركز إبداعي صيفي يتضمن أنشطة ترفيهية وتعليمية متعددة للأطفال، وأشارت إلى أن الرابطة وبالتعاون مع مكتب الإغاثة نظما فعاليات أخرى من ضمنها ملتقى الإيمان الذي يهدف إلى مساعدة الأطفال الذين لم يتمكنوا من ارتياد المدارس وذلك عبر تقديم دروس في ثلاث مواد: (قرآن، تدبر ،عمل)، وكشفت عن أن ملتقى الإيمان يهدف إلى ربط الطفل بالواقع وذلك حتى يكون الصغار على اطلاع تام وللحفاظ على مهاراتهم التي أثرت عليها ظروف الحرب، مشيرة إلى أن عدد الأطفال المسجلين لملتقى الإيمان يبلغوا 300 طفل، وتشير آمنة ياسين إلى أن الرابطة ومن خلال المشاريع التي تنفذها فإنها تهدف إلى دعم وتحسين نفسيات الأطفال السوريين بالسودان، مؤكدة نجاح هذه البرامج وتحقيقها لنتائج إيجابية على الأطفال الذين أثبتوا إمكانيات عالية في الامتحانات التي اختتم بها الملتقى، حيث أحرز طلاب درجات عالية بل إن بعضهم حصل على العلامة الكاملة، وتؤكد أن عمل الرابطة يستند على التكاتف والتعاضد وأن الجميع يعمل على أساس أنهم أسرة واحدة.

من المحررة
في الختام نؤكد أن المرأة السورية وعلى مر العصور كانت تتحمل المشاق والصعاب وتقف إلى جانب الرجل في كافة المجالات بالإضافة إلى أدائها لمسؤولياتها المنزلية وتربية أطفالها، وهي كلما قست عليها الحياة اظهرت جلدا وقوة شكيمة وتمكنت من تجاوز العقبات، وأنا اجري هذا التحقيق فقد طل مني معظم السوريات اللائي التقيتهن وغيرهن أن أزجي آيات الشكر للحكومة السودانية بمختلف مؤسساتها على حُسن تعاملها ودعمها لرابطة المرأة، وايضا يمتد شكرهن للشعب السوداني، ونستطيع القول إن وقفة السودانيين القوية بددت وحشة النساء السوريات في الغربة.

*صحافية سورية سودانية مقيمة بالخرطوم

تحقيق: ميريام عمران خليفة
صحيفة الصيحة


تعليق واحد

  1. نسال الله العظيم ان يعم الامن والسلام جميع بلاد المسلمين هؤلاء النسوة لولا الحرب لم يفارقن الاهل والاحباب والوطن