حوارات ولقاءات

في حوار الصراحة حول مصير الشعبي بعد “الترابي” مع الأمين السياسي بالإنابة “يوسف لبس” (1ـ2)


بعض الجهات تسعى لإثارة النعرات الجهوية في الشعبي لكنها لن تؤثر فينا أبداً
صحيح للشعبي قواعد كبيرة في “دارفور” ولكن ليس شرطاً أن يكون هناك ممثل لـ”دارفور” في الأمانة العامة
لو جاءت الأمانة العامة من أبناء امرأة واحدة وأكفاء سنرحب بها
أطمئن المشفقين بأن الشعبي لن يزول.. فـ”الترابي” ترك مؤسسات حقيقية
” الناجي” جرئ في طرحه لكنه لا يمثل تياراً ضد الحوار
كثير من التخوفات أثارها بعض المشفقين أو الشامتين حول مصير المؤتمر الشعبي بعد رحيل أمينه العام الدكتور “حسن الترابي” بالنظر إلى كاريزما الرجل وثقله الفكري والسياسي، ومقدرته في جعل الحزب في واجهة الفعل السياسي وتمكنه من إدارة كثير من التباينات الجهوية والسياسية داخل الشعبي، (المجهر) جلست إلى أحد أولي العزم من رجال الشعبي الأمين السياسي بالإنابة “يوسف لبس”، فبدا الرجل واثقاً من مقدرة حزبه على تجاوز ابتلاء فقدان قائد بقيمة “الترابي”، معتبراً أن هذا الرحيل يقدح روح التحدي في قواعد وأجهزة الحزب بما يجعلها قادرة على سد الثغرة الكبيرة عبر تفعيل المؤسسية للمضي في طريق تحقيق أهداف الحزب. واستبعد في ذات الوقت إمكانية تأثر الحزب بالنعرات الجهوية رغم إقراره بأن بعض الجهات التي لم يسمها تسعى لإثارتها..فإلى مضابط الحوار..
حوار – عقيل أحمد ناعم
{ الآن انقشعت سحابة الحزن على رحيل الشيخ “الترابي”.. كيف تقيمون الآن في الشعبي تأثير رحيله على الحزب والوطن؟
– رحم الله الشيخ “حسن الترابي” ونسأل الله أن لا يفتنا بعده، رحيل شيخ “حسن” ترك (فرقة كبيرة جداً) بدون شك.. وكان في أيامه الأخيرة يردد أنه يريد أن يفعل كذا وكذا قبل رحيله، وكأنه يدرك أنه راحل في وقت قريب، ولكن قبل هذا أنا كنت معه في السجن في 2003م، وجلس معي لوحدي وضرب مثلاً بأن الشخص عندما يتزوج وينجب يرغب في تزويج أبنائه ورؤية أحفاده وبعدها يرحل، فكان يقول إن أمنيته أن يجمع الوطن وحركة الإسلام، وهذا قبل أحداث الربيع العربي، فهو يرى أن الإسلام أصبح في مأزق في كل مكان، وتشوهت صورته بما يحدث من ضرب وقتل، فكان يرى أن ما حدث في السودان ليس شيئاً كبيراً يمنع التقاء الناس ولم شملهم، ولذا كان حريصاً على إزالة الصورة السالبة للإسلام.
وفي أيامه الأخيرة أصبح يكثر من ترديد رغبته في رؤية السودان متماسكاً، وصحيح رحيله جرح كبير ووقعه على كل العالم الإسلامي ثقيل، حتى في كثير من الدول تمت إقامة سرادق عزاء، وفي “موزمبيق” أقام (60) مسجداً صلاة الغائب على روح الشيخ “الترابي” وكذلك كل دول الساحل الغربي، فقد كانوا يدركون أن الشيخ يسد ثغرة كبيرة للإسلام في كل العالم.
{ وكيف يمكن سد هذه الثغرة؟
– الموت سنة طبيعية وفقده عظيم، لكن الإرث الذي تركه يجب أن يترجمه على أرض الواقع كل تلاميذه، ليس فقط في المؤتمر الشعبي، بل في كل الحركات الإسلامية والطرق الصوفية في كل العالم، فهذا هو الوفاء لكل ما قدمه.
{ كثيرون يرون أن الشعبي لم يكن مهيئاً لرحيل “الترابي”.. فكأن كل الحزب هو “الترابي” ما يزيد من التخوفات بذهاب ريح الحزب برحيله؟
– صحيح الشعبي لم يكن مستعداً لرحيل “الترابي”، فالإنسان مهما طال عمره يظن هو نفسه أنه سيعمل كثيراً في دنياه، لذلك فإنسان بقامة شيخ “حسن” لم يكن موته فجأة سهل الاستيعاب، ولكن الحركة الإسلامية علمتنا دائماً – رغم كاريزما شيخ “حسن” ــــ أن نتحمل التحدي، والآن علينا إحكام الجهازية فهي العاصم الوحيد لمواصلة المشوار بدون أية عثرات.
{ هل الجهازية ستمنع تعثر الحزب وربما زواله كما يتنبأ كثيرون؟
– غير صحيح أن الشعبي سيزول بعد رحيل “الترابي”، وكلنا يدرك أن هذا تحدٍ أمامنا يجعلنا ننهض حتى لو كنا متراخين في الفترة الماضية، ومن كان متطرفاً يعتدل وهكذا.. ودائماً الجماعة حتى لو أقرت شيئاً خطأً، فإن الله يبارك رأي الجماعة ويجعل الأمر يمضي للأمام. وهذا تخوف مشروع خاصة وأن كثيرين يراهنون على الشعبي في كثير من القضايا، ولكن بإذن الله الشعبي سيمضي في الطريق الصحيح ويعمل بأفكار شيخ “حسن” ووصاياه التي تركها لنا. عموماً أطمئن كل المشفقين على مصير الشعبي بأنه لن تحدث به أية مشاكل وسيمضي لتحقيق أهدافه.
{ فعلياً.. هل الشعبي لديه مؤسسات حقيقية.. وهل الحزب قادر على تفعيل هذه المؤسسات حتى تعوض غياب القائد المؤسس من ناحية مؤسسية؟
– “الترابي” ترك مؤسسات حزبية حقيقية، ونعم هو كان قائداً فذاً ولكن كان يعمل ضمن أجهزة الحزب، والعقلية الجماعية والتفاكر والشورى وإحكام المؤسسية ستسد الفراغ الذي تركه شيخ “حسن”، والمؤسسات القائمة ستسير بذات النهج وذات المفاهيم، بل وبأكثر فاعلية لأن الناس كانوا يتكلون على شيخ “حسن” في كثير من الجوانب، ولكن الآن ازداد التحدي بما يقوي مؤسسات الحزب.
{ الشعبي به كثير من التباينات أو التناقضات من ناحية جهوية أو سياسية.. واختلافات خاصة في الموقف من النظام والحوار.. يبدو أن “الترابي” هو من كان يدير هذه التباينات ويحتويها.. هل يمكن أن تنفجر الآن هذه التباينات في وجه الحزب؟ أم إنه قادر على استيعابها؟
– التباين في حد ذاته ليس سيئاً، والشورى هي الحاكمة، والتباين الجهوي نعمة حقيقية، فكل منظومة تسعى لاستيعاب أكبر قدر من الوجود لمختلف اتجاهات الشعب، وبالتالي هي المنظومة التي تضمن المستقبل والقادرة على العبور لبر الأمان، ولو استطاعت حتى الدولة أن تستوعب التنوع لأصبحنا في مصاف الدول العالمية، ولكن للأسف الدولة لم توظف هذا التباين وحولته لنظرة ضيقة، ولا بد أن يخرج الشعب كله من هذا الضيق إلى نظرة عالمية أوسع تتجاوز حتى حدود السودان، المحك في التباينات الموجودة هو حسن إدارتها.
{ هل الشعبي قادر على حسن إدارة التباينات الموجودة فيه؟
– المؤتمر الشعبي ليست لديه أية إشكالية في هذا الجانب، صحيح من حين لآخر هناك أناس يتعاملون بقصر نظر، وأية منظومة لا تخلو من هذا النوع، ولكن التيار الغالب هو المتجاوز للنظرة الضيقة والمتعامل بعقلية منفتحة وهؤلاء لهم الغلبة، لذلك لن يعاني الشعبي من أية مشاكل في هذا الجانب.
{ بدأت تظهر أصوات مؤخراً تتحدث عن أن الثقل الغالب لعضوية الشعبي في دارفور وولايات الغرب عموماً.. وأنه لا بد أن يكون الأمين العام القادم من “دارفور” لحفظ التوازن داخل الحزب.. أو أنه سيتعرض لهزات حقيقية قد تعصف بتماسكه؟
– ندرك تماماً أن هناك عناصر تفكر تفكيراً خاطئاً وهي ليست من داخل الحزب بل من خارجه، وتريد أن تسوق الناس إلى هذا الاتجاه الذي ذكرته، وصحيح أننا نسعى لإحداث توازن بين كل مكونات الحزب في مؤسساته المختلفة لمخاطبة مشاكل كل جهة، لكن من حيث المبدأ لو أصبحت الأمانة العامة كلهم أبناء امرأة واحدة ويمتلكون التأهيل الكافي والكفاءة والقدرة على المحافظة على وحدة الجماعة بنظرة قومية، فنحن نرحب بها وليست لدينا مشكلة في ذلك. وهذا ما علمتنا إياه الحركة الإسلامية، ولذلك ليس شرطاً عندنا أن يأتي أمين عام من دارفور، بل حتى لو لم يكن هناك أي شخص من دارفور في الأمانة العامة، فلن يكون هناك أي إشكال، وصحيح أن هناك وجود مقدر جداً من عضوية الحزب في دارفور، ولكن نحن قادرون وساعون لتذويب كل مكونات الحزب حتى يصبح مؤسسة قومية، ولكن لو جاء أمين عام من دارفور وقناعة أعضاء الحزب أنه الأكفأ لهذا المنصب فليكن، صحيح أن البعض قد تعتريهم بعض الأمراض، لكن قناعاتي أن الجميع سيمضون في اتجاه تجاوزها وإعمال معايير الكفاءة، وبعيداً عن العشائرية والجهوية.
ولو كنت في محل الدولة فسأكون الأحرص على تماسك الشعبي وتوحده، حتى يمضي مقترح المنظومة الجديدة لتوحيد الشعب السوداني وقواه الحقيقية، رغم قناعاتي أن البعض ينقصهم التعقل والتفكير السليم، ويسعون في الاتجاه المعاكس لإضعاف الشعبي، ولكن ندرك أنهم لن ينجحوا ونرجو أن يتجاوزوا هذه الطريقة من التفكير.
{ هل فعلاً هناك جهات يمكن أن تسعى لإثارة الجهوية في الشعبي سعياً لإضعافه؟
– قطعاً هناك جهات مثل هذه، ولكن بالنسبة لنا في الشعبي لن نتأثر بهذه المساعي.
{ ما هي هذه الجهات.. هل هي حكومية؟
– لا أستطيع أن أقول إنها حكومية، ولكن هناك من يفكروا هذا التفكير سواء أكانوا أفراداً أو جهات لإثارة النعرات داخل الشعبي، ولكن لن يؤثروا أبداً فينا.
{ واحدة من مهددات تماسك الشعبي هي الموقف من الحوار مع الحكومة.. وواضح أن هناك تياراً مقدراً داخل الحزب له تحفظات تجاه الحوار بشكله الراهن.. يخشى البعض من تصاعد صوت هذا التيار بعد رحيل “الترابي”.. كيف تتعاملون مع هذا الوضع؟
– كلا.. ليس كذلك.. صحيح حدثت نقلة كبيرة من السعي لإسقاط الحكومة إلى الحوار معها، وبالنسبة للعضوية من الشباب فهم قضوا (26) سنة من عمر الإنقاذ لم يجدوا خلالها تجربة تنظيمية وأدباً تنظيمياً، فلما حدثت هذه النقلة سببت لهم صدمة انعكست في بعض التصرفات والتصريحات، ولكن المتحفظين يتحدثون فقط عن ضرورة ضمان صدق المؤتمر الوطني في الحوار، ولكن ليس للإنسان إلا ما سعى، وإن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى، نحن علينا السعي والتوفيق من الله، لذلك ليس هناك رافضين للحوار، بل البعض لهم تحفظات وتم الجلوس معهم وشرح الأمر وتمت إزالة هذه التحفظات، لذلك ليست هناك مشكلة حول الحوار داخل الشعبي.
{ مثلاً “الناجي عبد الله” يرى كثيرون أنه يمثل تياراً داخل الشعبي.. يبدو أن هذا التيار ما زالت لديه تحفظات على الحوار؟
– “الناجي” في تصريحاته الأخيرة لم يتحدث عن الحوار، بل تحدث عن لوم حول غياب الرجل الأول في الدولة عن تشييع رجل بقامة “الترابي”، و”الناجي” شخص جريء في طرحه فهو رجل ظاهره وباطنه واحد، لذلك قال رأيه بجرأة، وهذا لا يعني أنه ضد الحوار.
{ هناك حديث عن انتهاء مرحلة المؤتمر الشعبي؟ هل الأولوية الآن لبناء الشعبي أم للانتقال للمنظومة الجديدة؟
– الشعبي خلال الفترة الماضية اعتنى بالبناء القاعدي، وهو الآن حزب مبني وجاهز بكافة مؤسساته وإمكاناته التنظيمية، والمنظومة الخالفة القصد منها جمع أهل القبلة وإخراج البلد من أزماتها، وأصلاً الحركة الإسلامية بطبيعتها كل فترة والأخرى تظهر بثوب جديد، لذلك فالفترة المقبلة مرحلة انتقال للمنظومة الخالفة، وأما البناء التنظيمي للشعبي فقد عكفنا عليه طيلة الفترة الماضية.
{ ما فائدة البناء التنظيمي لجسم ستتجاوزونه وتنتقلون لجسم جديد؟
– هذا البناء التنظيمي هو الذي سيدعم المنظومة الجديدة ويقوم بشرحها للجميع.

المجهر