تحقيقات وتقارير

تحالف قوى المستقبل.. رياح الخلافات تعصف بالترشيح


شهد شهر فبراير من هذا العام، ميلاد تجمع «قوى المستقبل للتغيير» كمنظومة جديدة من التحالفات المعارضة ويضم «41» حزباً تمثل ثلاثة كيانات: “تحالف القوى الوطنية”، و”القوى الوطنية للتغيير ـ قوت” و”أحزاب الوحدة الوطنية”. فيما يقف على رأس هذه القوة التحالفية حركة الإصلاح الآن الحركة التي أعلنت انشقاقها مؤخراً من الحزب الحاكم كجماعة إصلاحية.
وبظهور تحالف قوى المستقبل للتغيير صارت هناك أكثر من ثلاثة تحالفات لأحزاب المعارضة التي باتت تفرق بينهم الأيدولوجيات والمصالح بحسب بعض أعضاء المعارضة نفسها. ففيما بلغت تحالفات المعارضة على الساحة أكثر من ثلاثة على رأسها قوى الإجماع الوطني، ونداء السودان بزعامة حزب الأمة القومي ومن قبله مجموعة ميثاق الفجر بزعامة أحزاب المعارضة والحركات الحاملة للسلاح وقوى المجتمع المدني، ظهرت المجموعة الأخيرة باسم تحالف قوى المستقبل الذي أجرى عدة اتصالات بأحزاب كبيرة كالشيوعي والبعثي وحزب الأمة ومكونات للمعارضة برئاسة فاروق ابو عيسى وغيره من الشخوص ذات الوزن في ميزان الضد الحكومي، فيما تراوحت نتائج تلك الاتصالات ما بين مرحب بهم رغم إبداء نوع من التحفظ وبين رافض للالتقاء بهم من واقع منطلق التحالف الجديد العقائدي والفكري، فهناك من يرى حتماً أن القوى المؤثرة فيه هي مجموعات لا تبتعد كثيراً عن الحزب الحاكم ذي المرجعية الفكرية التي ترتكز على الاسلام السياسي، ومن هؤلاء البعثيون الذين نأوا بأنفسهم من أن يكونوا شركاء لهذا التحالف الوليد أو حتى مرحبين بهم في سبيل مواجهة العدو الافتراضي لهم وهو حكومة المؤتمر الوطني الذي يقاسمونه العداء من منطلق الابتعاد الفكري الذي يضعهم في أقصى الشمال بينما تجد هؤلاء «قوى التغيير» على مقربة من الحزب الحاكم بحسب مآخذ البعثيين على قوى التغيير الجديد أي جماعة د. غازي.

لا لغازي
ورغم هذا كله، إلا أن سفينة هذا التحالف الحزبي المعارض الجديد بدأت الإبحار في مياه السياسة المتلاطمة الأمواج، وقد شهد ثاني اجتماع لهم تفجر الخلافات بصورة كادت تعصف به رغم الجلد والتحمل الذي أبداه. فقد شهد الاجتماع الأخير لتحالف «قوى المستقبل للتغيير» والذي عقد يوم السبت الماضي، خلافات حول مقترح لجنة إعادة الهيكلة الذي طرحت خلاله فكرة تولي د. غازي صلاح الدين رئاسة التحالف الجديد. وقد رفض غالبية المشاركين مقترحاً تقدمت به لجنة الهيكلة نص على تولي غازي صلاح الدين، رئيس «حركة الإصلاح الآن»، رئاسة التحالف، على أن يساعده 3 من مكونات التحالف، بجانب نائب للرئيس وأمين عام وأمين للعلاقات الخارجية وناطق رسمي باسم التحالف. واتهمت مجموعة من القيادات المقترح بأنه «مطبوخ» من قبل د. غازي وحلفائه، وخرجت من الاجتماع فوراً، ولكن تم تمرير المقترح حيث تولى غازي صلاح الدين رئاسة التحالف، وفرح العقار أميناً عاماً بإجماع بقية الحاضرين. وأشارت بعض عناصر تحالف قوى المستقبل أن تولي غازي لرئاسة التحالف وجدت معارضة قاطعة من قبل «تحالف القوى الوطنية» وبعض الشخصيات المؤثرة في التحالف الجديد.
تمايز الصفوف
ويرى بعض المعارضين لدكتور غازي من القوى المعارضة، أنه ليس بعيداً عن النظام الحاكم، فهو أداة من أدواته وان أحاديثه عن معارضته للنظام ما هي إلا مرحلة ويوماً ما سوف يرجع للنظام بعد أن يؤدي مهمته المرسومة له. ولا يفصل هؤلاء حركة الإصلاح الآن من نظرية المؤامرة والعمل لخدمة مصالح تخص الحزب الحاكم، فأكدوا من أنه لابد وأن تعتريهم الأشواق كما اعترت قيادات المؤتمر الشعبي التي مالت بل وتعمل الآن بكل جهدها لتوحيد الحزبين الكبيرين. فحال غازي صلاح الدين وحزبه ببساطة ليس له جمهور كبير وليس في قامة المؤتمر الشعبي الذي أفصح عن نواياه تجاه وحدة الإسلاميين، وليس لدى الإصلاح موارد دخل أو مؤسسات وشركات كالتي لدى المؤتمر الوطني، ومن السهولة الرجوع للقاعدة التي انطلق منها. ويرى بعض المعارضين اليساريين للتحالف أن المعارضة وبقبولها العمل جنباً إلى جنب مع الإسلاميين الذين قد لا يعملون على تغيير النظام وبالتالي انهم سوف يحبطون كل محاولات المعارضة الرامية لذلك التغيير.
تداعيات الاختيار
ما رشح من أخبار بشأن رفض قوى تحالف المستقبل للتغيير لغازي رئيساً لم يكن مفاجئاً للمراقبين من الإعلاميين وحدهم فحسب، وإنما يبدو أن صدمته قد أصابت جماعة الدكتور غازي صلاح الدين ومن يناصرونه من القوى الاخرى التي تقف معهم في التحالف. فبرغم أنني قد حاولت أكثر من اتصال لكبار قيادات الإصلاح إلا أن ردودهم كانت تأتيني بأننا في اجتماع ولم يتسن لي معرفة دواعي الاجتماع إذ أن الخط يغلق في أذني قبل أن يستمع إلى باقي مكالمتي أو حديثي. الدكتور أسامة توفيق الرجل المهذب استقبل مكالمتي من ثالث محاولة ورغم أنه لم يبد عليه الانزعاج من تكرار الاتصال إلا أنه أفادني بكل هدوء من أنهم في اجتماع، فتيقنت أن الاجتماع هو من تداعيات رفض الترشيح لدكتور غازي من قبل بعض عناصر التحالف الداخلية. علماً بأن التحالف يتكون من ثلاثة عناصر المذكورة في صدر التقرير عاليه. ولكن القيادي الشاب وأمين الحزب بولاية الخرطوم الأستاذ خالد نوري، لم ينف صحة ما رشح من أن ترشيح د. غازي لرئاسة التحالف وجدت اجماع الكل، وإنما قال هناك بعض الذين يريدون أن يكونوا على رأس التحالف وحتماً هؤلاء لا يسمحون لشخص آخر أن ينال هذه الرئاسة حتى ولو كان د. غازي شخصياً. وقال نوري إن التحالف يتكون من «41» حزباً وحركة، ولا يمكن ان يجمع كل هذا العدد على رأي واحد. فبالضرورة أن تكون هناك آراء نشاز خاصة وأن التحالف مرحلي التغيير وليس استراتيجياً، بمعنى أن الحرية في التحالف مكفولة للأحزاب والحركات المكونة له في أن تختار كل ما تشاءه وتريده ولكننا و«الحديث لنوري» اتفقنا على برامج عمل وطني محددة مثل تداول السلطة وعدالة الحكم وقضايا الحريات فكلها قضايا سياسية لا يختلف اثنان عليها، في الوقت نفسه أن التحالف ترك الباب مفتوحاً لانضمام قوى أخرى إليه ولذلك لم يكمل هيكله. وفي دفاعه عن دكتور غازي قال نوري صحيح أن الدكتور شخص مميز ولكنه أبداً لم يكن رمزاً للتحالف بالرغم من ان معظم القوى المؤتلفة داخل قوى المستقبل للتغيير قامت بترشيح غازي بيد انه قال إن هذا لا يمنع أن يكون لبعض القيادات الاخرى رأي مخالف، وهذا حراك موجود في كل التحالفات. وأكد أن التحالف ساعٍ لضم كل القوى السياسية الاخرى إليه وكل التحالفات المعارضة رغم الحالة الحرجة التي يعيشها تحالف قوى الإجماع الوطني الذي هو يعيش الآن صراعات داخلية جعلته ينقسم لتحالفين داخل جسم واحد.
إبعاد التحالف
ووفقاً للتطورات المتلاحقة في سياق المبادرات الساعية للبحث عن مخرج للأزمة السودانية، جاءت في وقت سابق دعوة اللقاء التشاوري الإستراتيجي التي أطلقتها الآلية الأفريقية رفيعة المستوى منتصف فبراير الماضي بين الحكومة وحزب الأمة القومي والحركات المسلحة، وهي القوى المكونة لنداء السودان وفيما وقعت الحكومة على نتائج اللقاء الاخير بأديس أمتنعت القوى الأخرى. واكد الأستاذ خالد نوري من أنه لأول مرة يتم التوقيع على اتفاق من طرف واحد ويقصد بذلك الاتفاق الذي وقعت عليه الحكومة، بينما رفضت بقية الأطراف التوقيع. وشن خالد هجوماً عنيفاً على الوسيط الافريقي ثابو أمبيكي، وقال إنه خرج من دور الوسيط وصار جزءاً من الحكومة. وكان تحالف قوى المستقبل يرى بأنه يجب ان يكون ضمن القوى التي سيحاورها النظام في ملتقى الحوار الإستراتيجي ولكن تمسك الحكومة بالأطراف المعنية عصف به خارج حلبة الحوار بأديس أبابا. ويرى خالد أن فكرة التحالف جاءت في وقتها لأن الشعب السوداني مل فكرة أن يكون بالساحة أكثر من 108 أحزاب سياسية وحركة لذلك عملية التغيير أصبحت ضرورية ولا خلاف عليها إطلاقاً.
التحالف والرافضون
رغم ان فكرة التحالف التي انطلق منها قوى التغيير لتجميع شتات الاحزاب في قوة واحدة يسهل عملها وقوتها تكون أكثر وقعاً، إلا أنه وجد صعوبة كبيرة في إقناع كل القوى السياسية إذ رفض حزب البعث الانضمام إليهم رغم محاولة التحالف ممثل في حركة الإصلاح الآن الذين بحسب إفادات نوري، بذلوا جهداً كبيراً في محاولة للوصول إليهم والجلوس معهم، ولكن رأيهم الواضح في التحالف حال دون ان يلتقي الطرفان. بيد أن حركة الإصلاح الآن ممثلة للتحالف قد كسبت توقيع حزب الأمة ووقوف فاروق ابوعيسى الذي ما زال في اجتماعات متصلة معهم وتنسيق تام، وترمي خطة التحالف في ضم الحركات المسلحة التي لا يخفي خالد اتصالهم بها لتكون جزءاً منهم مستقبلاً. بينما انشقت أطراف تحالف قوى الاجماع الوطني حول نفسهم وهم يختلفون حول موقفهم من الوليد الجديد، فبينما رحبت به بعض قواهم تشكك بعضهم الآخر في جدية هذا التحالف. وقال بيان ممهور بتوقيع مالك عقار ونصرالدين الهادي وزينب كباشي، إن المنظومة الجديدة جرى تسويقها كمنظومة لإسقاط النظام ونحن نعلم أن بعض أطرافها لم تطرح إسقاط النظام في أدبياتها السياسية، فطرحت في الحد الأقصى إصلاح النظام، وزادوا لا مانع لدينا من العمل مع الراغبين في الإصلاح والتغيير المحدود دون خداع أنفسنا أو خداع الآخرين، حول طبيعة هذه المعركة أو تلك التي يتطلبها سقف الإصلاح والتغيير المحدود. مؤكدين أنهم مع إسقاط النظام ونعلم من هي القوى التي تريد إسقاط النظام، وهي قوى تحالفنا معها أبعد وأعمق من تلك القوى التي تسعى فقط نحو حوار متكافئ ومنتج دون التقليل من أهمية هذه القضية الأخيرة.
كاريزما غازي
ولكن المهتم بالشأن السياسي والحزبي الدكتور الفاتح مجذوب أفاد «الإنتباهة» ان ما رشح من مماحكات تدور داخل التحالف الوليد تعتبر نوعاً من الديمقراطية، فعملية رفض الترشيح هي جزء من الممارسة السياسية، وإعلان ذلك الرفض لاختيار شخص ما «غازي» لرئاسة التحالف يعتبر تداولاً ديمقراطياً طالما ان المسألة لا تعني التفكيك ولا التأكيد ولا تنال من د. غازي صلاح الدين كشخص مرشح ومنافس. فإن العملية ديمقراطية ولا حرج عليها. ولكن دعني أفسر بعض الاشياء والحديث لدكتور الفاتح، إن الـ«41» حزباً المكونة للتحالف حتى هذه اللحظة لم يقل الشعب السوداني فيها كلمته وهذا ليس انتقاصاً من القيادات المكونة له، ولكن اغلب أعضائه سيكون لهم مستقبل في العملية السياسية. والقيمة الآن بصراحة لبعض السياسيين المكونين لهذه الاحزاب الكثيرة قد تكون أعلى من أحزابهم نفسها، فمثلاً كاريزما أعلى. لذلك نحن لا نسمع إلا عن هذه القيادات ذات الكاريزما العالية ولذلك القيادات الاخرى التي يأتلف منها هذا التحالف تفتقد للبعد الجماهيري. وقبل أن يتفق الناس على رئاسة غازي أو غيره، نجد أن هذا التحالف إلى يومنا هذا لم يرسخ أقدامه وما يصدر منه من رد فعل لا يعدو ان يكون مجرد إرهاصات، والشارع السوداني لم يعرف الأحزاب المكونة له اجتمعت ام تفرقت وإشكاليتها أنها إلى الآن لم تطرح رؤية واضحة للشعب السوداني. ويزيد د. الفاتح بوصفه مراقباً جيداً للأوضاع، أن ما يلمسه الآن بالشارع ضعف اهتمام الشارع السوداني بهذا التحالف وهذه الأحزاب المكونة له، مؤكداً أنه إذا ما جاءت الانتخابات فإن عددها الكبير هذا سيتناقص إلى ثلاثة أو اربعة أحزاب فقط ما لم يكن لهم طرح واضح. واتفاق هذه الأحزاب او اختلافها لن يكون له صدى في الشارع السوداني إلا إذا اهتمت هي نفسها به وقدمت نفسها بنهج وطرح جيد.
ربما لم يكن ما دار في الاجتماع الاخير لتحالف قوى المستقبل للتغيير مقنعاً للكثير من القيادات الحزبية المكونة له، والسبب أن د. غازي ما زالت تشكك بعض الدوائر عن قربه العميق جداً من المؤتمر الوطني الحزب الحاكم. وهذا لا يبعدنا كثيراً من ان الرجل مضى إلى سبيله بحسب ما نتابعه ونعرفه عن د. غازي، لذلك كله تبقى عملية الاختيار وردود فعلها هي بعض ما علق بنفوس بعض القوى المكونة للتحالف والعارفين جيداً لخلفية الرجل الإسلامية. أيضاً نستصحب معنا ما رشح مؤخراً عقب وفاة الشيخ الترابي زعيم الإسلاميين الراحل وما علق بالمفاصلة الشهيرة بين المؤتمرين الوطني والشعبي، والقول بمسرحيتها ما أدى إلى أخذ الأمور مأخذ الجدية من أن حركة غازي أيضاً تأتي ضمن هذه المسرحية لتوطيد حكم الإسلاميين، وهذا هو ما صرحت به بعض قيادات قوى الإجماع الوطني التي طالبت بعدم التعامل مع د. غازي باعتبار أنه معارض. فهل سيتجاوز التحالف الوليد صدمته الأولى، أم ان الأقدار ستعصف به كما عصفت بتحالفات أخرى بقيت طي النسيان؟ هذا ما ستجليه الأيام القادمة.

الانتباهة


تعليق واحد

  1. هذا يعني أن حكومة هذا التحالف سيتكون من رئيس الجمهورية و41 مساعد رئيس الجمهورية و41 مستشار رئيس جمهورية و41 وزير و41 وزير دولة و41 وكيل وزارة و41 ولاية و41 والي و41 مجلس تشريعي و41 رئيس مجلس تشريعي و41 محلية و41 معتمدية و41 سودان !